فضيلة الشيخ محمد الدبيسي حفظه الله
موقع غير رسمي يحتوي على المحاضرات الصوتية و كتب لفضيلة الشيخ

فضيلة الشيخ محمد الدبيسي حفظه الله / ركن المقالات  / باقة  مقالات: فتح خيبر بين الماضي والحاضر/ معالم النصر بين الهجرة وفتح خيبر

 

 

معالم النصر بين الهجرة وفتح خيبر

 

في هذه المقالة النقاط التالية:

    الهجرة والطاعات ونصر الله تعالى   

  مسئولية المؤمنين اليوم في القيام بأسباب النصر ورفع البلاء

  علاقة خيبر بما نحن فيه الآن

 

 

 الهجرة والطاعات ونصر الله تعالى

ومدخلُنا الذي ندخل منه إلى الهجرة والجهاد هو ذلك المدخلُ المتعلِّق بالعَشْر الأواخر من رمضان؛ حيث خرج الناسُ مغفورًا لهم، ثم دخلت أيامُ البر. وأيامُ البر ينتظرون بها أن يُوفِّقهم اللهُ تعالى لزيارة بيته، وأن يَسْتدركوا بها ما فاتهم من أيام رمضان، وأن يَتهيَّئوا بها لمغفرة عرفات، فإذا غُفر لهم في تلك الأيام - مَن حَضَر الموسم ومن لم يحضر - كانوا بذلك قد حصَّلوا البرَّ في تلك الأيام فخرجوا أبرارًا، ومَن لم يُغفر له في رمضان حصَّل المغفرة في عرفات، ومن فاته شيءٌ قبل ذلك استدرَكه في أيام البر فغُفر له، فخرجوا من أيام البر وقد تحقَّقوا بما ذكرنا من استكمال السَّيْر في طريق الآخرة، حيث ذكرنا طريقَ الآخرة والسيرَ فيه وعلاقةَ الحج بذلك، وكيف أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء لِيُعيد سلوك طريق الآخرة المهجور الذي هجره الناسُ قبل ذلك([1]).

خرجوا أبرارًا كما ذكرنا مغفورًا لهم.. ابتدئوا السيرَ مرةً أخرى والرجوعَ إلى طريق الآخرة، إذَا بهم يُطْلَب منهم أولُ علامةٍ من علامات سير الآخرة، وهي: كثرةُ الذكر، ودوامُ الذكر، والإخباتُ مع هذا الذكر، ثم يُختم عامُهم بأعظم علامةٍ من علامات السائرين إلى الله، وهي: التوبةُ إلى الله تعالى. ويوم توبتك هو خيرُ يومٍ يمر عليك مُذْ ولدَتْك أمُّك، والتوبةُ النصوح كما ذكرنا في قصة المرأة الغامدية التي تابت توبةً لو قُسِّمت على سبعين بيتًا من أهل المدينة لوَسِعَتْهم([2])، تلك التوبةُ التي من علامتها قولُ النبي صلى الله عليه وسلم فيها: «وَهَلْ وَجَدْتَ تَوْبَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ تَعَالَى؟»([3]). التوبةُ التي من علامتها - التي ظهرت في قاتل المائة - قولُ النبي صلى الله عليه وسلم عندما أخذت ملائكةُ الرحمة هذا القاتل: «جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللهِ»([4]).

فخرج الناسُ إذًا مُسْتَكْمِلِين للسَيْر إليه سبحانه وتعالى، نزلوا مَنْزِل التوبة، ونزلوا هذه المنازل التي أشرنا إليها، فخرجوا حينئذٍ من عامِهم المُنْصَرِم وقد تحصَّلوا على هذا الزَّاد العظيم الذي يُؤَهِّلُهم لفَصْلٍ تالٍ من فصول السَّيْر إلى الله وهو: الهجرة والجهاد، فإذا بهم ينطلقون ذاكرينَ لله تعالى.. شاكرين له أنْ هداهم.. تائبين له على ما قدَّموا وأخَّروا، خرجوا وقد غسلوا ذنوبَهم وسيئاتهم.. خرجوا وقد تأهَّلوا لنصر الله تعالى، ومِن ثَمَّ استطاعوا أن يسيروا إليه وأن يبذُلوا أنفسَهم وأموالهم له، خرجوا يَتحمَّلون الشدائد والقَيْظ.. خرجوا يتحملون البرد والقَرَّ([5]).. خرجوا يتحملون قلةَ الزاد والماء.. خرجوا لا يُبالون بشيءٍ من ذلك في سبيل أن يرفعوا رايةَ الله تعالى.

كانت تلك المَعالِـمُ إذًا معالِـمَهم التي بها هاجروا وبها جاهدوا، والتي تُهِمُّنا اليوم: والتي بها انتصروا.. تُهِمُّنا حيث كانت هذه الأسبابُ هي أسبابَ الانتصار في مقابلتهم للكفرة. فإذا لم يكنِ المرءُ على هذا الحال فأنَّى يُنْصَر! كما قال تعالى: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد: 7]. نَصَرُوه فنَصَرَهم وثَبَّت أقدامهم.. نصروه فرَفَع رايتهم.. نصروه فلم تَقِف لهم قوةٌ في الأرض حتى نشروا راية الله ورفعوها، ودخل الناسُ في دينِ الله تعالى أفواجًا.

 

هذا الجزءُ الأول الذي لا بد من التذكير به لِيَعلم المؤمنون المسألةَ التي نحن فيها، وهي:

لماذا تَكالَبَتْ أُمم الشرِّ والفساد من إخوان القردة والخنازير وغيرهم على أُمَّة الإسلام؟

وما السببُ في ضَعف هذه الأمة حتى وصلتْ إلى ذلك الهوان؟

وفي نفس الوقت يعلمون سببَ النصر؛ لِيَلْتحقوا برَكْب هؤلاء المهاجرين المجاهدين، لِيُحققوا ذلك لدينهم، ولِيُعِيدوا تلك الموازين إلى نِصابِها، وليرفعوا ذلك الخلل الذي وقع، حتى تستعيد أمةُ النبي صلى الله عليه وسلم سِيادتها ورِفعتها لتكون الهادِية للعالَمين.

 

(أعلى الصفحة)

مسئولية المؤمنين اليوم في القيام بأسباب النصر ورفع البلاء

والجزءُ الثاني الذي نفتتح به سيرتنا، بعد أنْ علمتَ ما كانوا عليه فانتصروا وما صِرنا إليه فانهزمنا.. علمتَ الطريقَ إلى ذلك النصر وتَبيَّن لك أيضًا أن تقصيرَك في سلوك هذا الطريق - بدءًا من تلك الأيام التي ابتدأنا فيها السير إلى يومنا هذا - كان من عوامل الهزيمة والانكسار، وأنك إذا لم تَقُمْ أنتَ أيها المؤمن المُتقي لله تعالى بأسباب النصر فمَنْ يقوم بها؟! وإذا لم تَقُم أنتَ بأسباب النصر يوشِك أن ينزِل بالمؤمنين ما نزل بغيرهم. فإنه إذا لم يكن أهلُ الإيمان هم حائِطَ الصَدِّ اليومَ فمن يكون؟! أَيصُدُّ عن دين الله الكفرةُ والفَسَقة والمجرمون واللَّاهون عن دين الله تعالى؟! إذًا مسئوليةٌ جسيمة تلك التي لم نستشعرها بعدُ، فما زلنا نعاني البُعدَ والتقصير والتفريط، ونعاني الكسل والنوم والإخلاد إلى الدنيا.. نعاني التطلع إلى حظوظها وشهواتها، ما زلنا في الغفلة عن لقاء الله فضلًا عن المحبة لهذا اللقاء، ما زلنا مُتَشَبِّثين مُثقَلِين إلى الأرض كما قال تعالى(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا) يقع بكم الواقِعُ اليومَ: (يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) وقد وقع! (وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ) وهو المُنْتظَر! (وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التوبة: 38، 39].

وَقَفَ المؤمنون إذًا لِيُقايِسوا بين حال النصر الذي كان وحالِ الهزيمة الذي تَمَّ؛ ليرفعوا عن كَواهِلهم ما رانَ عليها من أسباب الهزيمة، مُتأكِّدين أنَّ أسبابَ النصر بهم، وأنهم إنْ شاركوا أهلَ الدنيا في دنياهم فمَنْ يبقى لدِين الله؟! هذه النقطة الثانية، قال تعالى: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) [التوبة: 40].

والنقطة الثانية هي مدخل كلامنا في استكمال سيرة النبي صلى الله عليه وسلم التي ابتدأنا منذ سنين، ووصلنا فيها بالمصادفة اليوم إلى قصة «خيبر» مع يهودها، وهي في قوله تعالى(إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ) .

ذَكَّر اللهُ تعالى المؤمنين بالهجرة بعد هذه السنين الطويلة - حيث نزلت هذه الآيات الكريمات في آخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم بالدنيا - لِتُذكِّر المؤمنين بأن نصر الإسلام منذ أول بعثة النبيِّ صلى الله عليه وسلم إلى أن انتقل إلى الله تعالى إلى يوم القيامة - إنما هو مَوْكولٌ إلى الله، وأنكم إذا نَصَرْتُموه نَصَرَكم، وإنْ خَذَلْتموه خذلَكم، واستَبْدَل بكم غيرَكم، ولا تَضَرُّوه شيئًا!

لذلك جاء تقريرُ هذه الآية على هذا النحو في قوله سبحانه وتعالى(إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ).

متى نصره اللهُ؟ الجواب:

(إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ)  و ( إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ)  و (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) ؛ هذا هو التفسير الأول للآية.

التفسير الثاني(إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ) : نصرَه في الهجرة (إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ). ونصره في بَدْر، ونصره في أُحُد، ونصره في الخندق([6])، ونصره في خَيْبر، ونصره في حُنَيْن، وفَتَح عليه مكة بعد ذلك كما ذكر الله تعالى.

إذًا: إلا تنصروه فقد نصره اللهُ في هذه المواقع، وأولُها قول الله تعالى مُذَكِّرًا بالهجرة: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ).

وذكرنا من قبل عند شرح قوله تعالى: (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ) قصةَ الحديبية وكيف كانت فتحًا ونصرًا كما قال تعالى: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا)  [الفتح: 1]، وكان الفَتْحُ هنا هو الحديبيةَ.

ثم نصرَه بعد الحديبية في فتح خيبر، وهي موقعتنا اليوم، وجاءت كما ترون مع يهود خيبر ومَنْ وراءهم من يهود «فَدَك» و«وادي القُرَى» و«تَيْمَاء» على حدود الجزيرة والذين استسلموا عَنْوةً([7]) أو صُلحًا للنبي صلى الله عليه وسلم نتيجةً لِنَصْرِ الله تعالى له صلى الله عليه وسلم.

 

 

(أعلى الصفحة)

علاقة خيبر بما نحن فيه الآن

وتوافَق ذِكْرُ فَتْح خيبر مع ما نحن فيه من وَضْعٍ وأحداث في هذه الأيام([8])، فكان المهم أن ننظر فيها لنستخلص تلك العِبر التي جعلت أولئك المتقين أهلًا لنصر الله تعالى، وجعلتنا - نحن والسامعين - كما ترون قد وصلنا إلى الحال الذي يدل على نهاية الضعف والذلة والهوان في هذه الدنيا. فكان لا بد أن نقف؛ لِيعلمَ الناسُ تلك الأسبابَ التي أدت بهؤلاء المتقين إلى تنزُّل رحمةِ الله ونصره، وأن ننظر فيها لنرى اليوم كيف نُحقق هذه الأسباب مرةً أخرى، ولِنُقارِنَ الواقعَ الذي نحن فيه بما كانوا عليه رضوان الله عليهم؛ فقد كان في قَصصهم عبرةٌ لأولي الألباب.. ما كان حديثًا يفترى. وواجبُ المؤمنين اليوم ألَّا يكفُّوا عن مجاهدة أنفسهم للتحقق بتلك الأسباب، وأن يَنْفُضوا عن أنفسهم أَرْدِيةَ الكسل والتواني والركون إلى الدنيا وحُطامها الزائل، وأن يَهُبُّوا([9]) لنصر دينهم ونبيهم وربهم وإخوانهم.

علمنا كيف عاتب اللهُ تعالى المؤمنين أنْ تخلفوا عن رسوله صلى الله عليه وسلم، وحذَّرهم أشد الحذر من أنه سيَستبدل بهم غيرَهم، وأنه سيعذبهم عذابًا أليمًا في الدنيا، وأنهم لن يضروه شيئًا؛ هذه الأولى، والثانية: حذَّرهم أشد التحذير سبحانه وتعالى من أنهم إذا لم ينصروا دين الله فإن الله تعالى متكَفِّل بنصر دينه، وأن لله سبحانه وتعالى جنودًا لا يعلمها إلا هو.. تَنْصُرُ عبادَه المؤمنين مهما كانوا قلةً في العَدد أو ضعفاءَ في العُدة، وذلك ما حدث للنبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى(إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ) [التوبة: 40] «اثنين» فقط! أحاط بهما المشركون فنصرهما المولى سبحانه وتعالى. وإنَّ دين الله تعالى ليس موكولًا نصرُه لأحد؛ إن نصروا فلأنفسهم، وإنْ خذلوا فلأنفسهم. إن خذلوا فالذلة والصغار والمهانة والاستبدال والعذاب الأليم في الدنيا - كما هو مشاهَد - ينتظرهم.

جاءت هذه الآية الكريمة حتى تُوقظ فيهم هذا الميل إلى الآخرة، وتُوقظ فيهم أن يكونوا من طلاب الآخرة وسالكي طريق الله تعالى، وحتى تُؤدِّب قلوبَهم وجوارحهم للوقوف عند أوامره والمسارعة إلى مرضاته، وألا يدَّخروا شيئًا يكون في ميزانهم يوم القيامة. أما ما هم فيه اليومَ من ذلك التَّقاعُس([10]) وتلك البَلادة وحُبِّ النزوات والشهوات وتفضيلِ ذلك كلِّه على ما عند الله؛ فهؤلاء لا يستحقون نصر الله.. لا يستحقون أن ينصرهم ربُّهم سبحانه وتعالى على أعدائهم، بل يَكِلُهم إلى ما هم فيه من المعاصي.. يهزمهم أعداؤُهم بعَددهم وعُدتهم.

 

 

(أعلى الصفحة)

المقالة التالية : أسباب النصر قبل المعركة

فهرس باقة  مقالات: فتح خيبر بين الماضي والحاض

------------------------------------------------------------------------------

 

([1]) وللمزيد من التفصيل بخصوص هذه المعاني المهمة، فارجع إلى سلسلة «أعمال البر» للمؤلف، وهي متوفرة في صورة مسموعة على مواقع الإنترنت، وأخرى مطبوعة.

([2]) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه [1696] وغيره عن عمران بن الحصين رضي الله عنه، وتمام الحديث: عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتْ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ حُبْلَى مِنَ الزِّنَى، فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ. فَدَعَا نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلِيَّهَا فَقَالَ: «أَحْسِنْ إِلَيْهَا فَإِذَا وَضَعَتْ فَائْتِنِي بِهَا». فَفَعَلَ، فَأَمَرَ بِهَا نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَشُدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: تُصَلِّي عَلَيْهَا يَا نَبِيَّ اللهِ وَقَدْ زَنَتْ؟! فَقَالَ: «لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ! وَهَلْ وَجَدْتَ تَوْبَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ تَعَالَى؟».

([3]) السابق.

([4]) أخرجه الإمام مسلم [2766] وغيره عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه، ونذكر لفظ هذا الحديث المشرف للاستفادة من المعاني المهمة التي فيه: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَسَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَاهِبٍ فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَهَلْ لَهُ مِنَ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً. ثُمَّ سَأَلَ عَنْ أَعْلَمِ أَهْلِ الأَرْضِ فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ لَهُ مِنْ تَوْبَةٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، وَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّوْبَةِ؟! انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُدِ اللهَ مَعَهُمْ وَلَا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ. فَانْطَلَقَ حَتَّى إِذَا نَصَفَ الطَّرِيقَ أَتَاهُ المَوْتُ فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ، فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللهِ. وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ: إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ. فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ الأَرْضَيْنِ فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ. فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ». قَالَ قَتَادَةُ: فَقَالَ الْحَسَنُ: «ذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ لـمَّا أَتَاهُ الْمَوْتُ نَأَى بِصَدْرِهِ».للمزيد: راجع سلسلة نهاية عام 1428هـ: «المحاسبة والتوبة» للمؤلف، وهي متوفرة في صورة مسموعة على مواقع الشبكة العنكبوتية للمعلومات (الإنترنت).

([5]) «القَرُّ»: اليوم البارِد، انظر: «لسان العرب»، مادة: [ق ر ر].

([6]) راجع سلاسل «إلا تنصروه فقد نصره الله» للمؤلف، فقد شرح فيها تلك الغزوات العظيمة وبيَّن كثيرًا من المعاني المهمة المتعلقة بها.

([7]) «العَنْوة»: القَهْرُ. و«أَخَذْتُه عَنْوةً» أَي: قَسْرًا وقَهْرًا. و«فُتِحَتْ هذه البلدةُ عَنْوةً» أَي: فُتِحَت بالقتال، قُوتِل أَهلُها حتى غُلِبوا عليها. و«فُتِحَت البلدةُ الأُخرى صُلْحًا» أَي: لم يُغْلَبوا ولكن صُولِحُوا على خَرْجٍ يُؤَدُّونه. انتهى - بتصرف - من «لسان العرب»، مادة: [ع ن ا].

([8]) توافَقَ ذِكْرُ هذه الخُطب مع العدوان الإجرامي المتوحش لآلة الحرب الصهيونية على إخواننا العُزَّل في غزة في آخر عام 2008م وبداية العام الذي يليه.

([9]) «هَبَّ - فلانٌ يفعل كذا - يَهُبُّ»: أخذ يفعله بنشاطٍ. انظر - بتصرف: «المعجم الوجيز»، مادة: [هـ ب  ب].

([10]) «قَعَسَ - الشيءُ - يَقْعَسُ، قَعْسًا»: تأخَّرَ ورَجَع إلى الخلف. و«تَقَاعَسَ عن الأمر»: تأخَّر. انظر: «المعجم الوجيز»، مادة: [ق ع س].

 

 

 

_________________________________________

روابط ذات صلة :

باقة  مقالات: فتح خيبر بين الماضي والحاض

سلسلة خطب صوتية: إلا تنصروه: فتح خيبر

المجموعة (أو السلسة الموسعة): إلا تنصروه فقد نصره الله

 

سلسلة خطب صوتية رَفْع الصَّخْرَةِ عْنْ صَدْرِ الأُمَّة

 

________________________________________________________________________________________________________________

تنبيه هام :  هذه المقالة قرأها لكم  محُرِّرُ الموقع من  تفريغ لمحاضرات صوتية لفضيلة الشيخ محمد الدبيسي - حفظه الله وعافاه وبارك لنا في عِلمه وصحَّته-  من سلسلة خطب "إلا تنصروه فقد نصره الله تعالى – فتح خيبر"، وقد تصرّف المحررُ في هذه الخطب اجتهادًا منه , وبحسب ما أدى إليه فهمه واجتهاده، لتبسيطها وحتى يستفاد إخواننا من بعض الدرر التي تحتويها هذه السلسلو الطيبة , لذا فإن أي خطأ يتحمله المحرر وحْدَه  ,  وفضيلة الشيخ عافاه الله تعالى  ليست له علاقة به، ولا تنس أخي الكريم أن المقالة  أصلها تفريغ لخطب صوتية، لذا فإن أسلوب الاستطراد غالب عليها, والله الموفق

آخر تحديث للصفحة:19ربيع الأول 1431هـ، 5-3-2010

 

الحقوق الفكرية: فضيلة الشيخ محمد الدبيسي حفظه الله