ثانيًا سلسلة خطب شهر رمضان 1432هـ
:
قال
الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: «مَنْزِلَة
الْمُحَاسِبَةِ وَهِيَ: التَّمْيِيزُ بَيْنَ مَا لَهُ - أي للعبد-
وَعَلَيْهِ، فَيَسْتَصْحِبُ مَا لَهُ، وَيُؤَدِّي مَا عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ
مُسَافِرٌ سَفَرَ مَنْ لَا يَعُودُ.
وَمِنْ مَنْزِلَةِ
الْمُحَاسَبَةِ يَصِحُّ لَهُ - أي للعبد - نُزُولُ مَنْزِلَةِ التَّوْبَةِ
لِأَنَّهُ إِذَا حَاسَبَ نَفْسَهُ، عَرَفَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ،
فَخَرَجَ مِنْهُ، وَتَنَصَّلُ مِنْهُ إِلَى صَاحِبِهِ، وَهِيَ حَقِيقَةُ
التَّوْبَةِ .. وَالتَّحْقِيقُ أَنْ التَّوْبَةَ بَيْنَ مُحَاسَبَتَيْنِ:
مُحَاسَبَةٍ قَبْلَهَا، تَقْتَضِي وُجُوبَهَا، وَمُحَاسَبَةٍ بَعْدَهَا،
تَقْتَضِي حِفْظَهَا، فَالتَّوْبَةُ مَحْفُوفَةٌ بِمُحَاسَبَتَيْنِ، وَقَدْ
دَلَّ عَلَى الْمُحَاسَبَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}
[الحشر: 18] فَأَمَرَ سُبْحَانَهُ الْعَبْدَ أَنْ يَنْظُرَ مَا قَدَّمَ لِغَدٍ،
وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ مُحَاسَبَةَ نَفْسِهِ عَلَى ذَلِكَ، وَالنَّظَرَ هَلْ
يَصْلُحُ مَا قَدَّمَهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ بِهِ أَوْ لَا يَصْلُحُ؟ .
وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا النَّظَرِ مَا يُوجِبُهُ وَيَقْتَضِيهِ، مِنْ
كَمَالِ الِاسْتِعْدَادِ لِيَوْمِ الْمَعَادِ، وَتَقْدِيمِ مَا يُنْجِيهِ مِنْ
عَذَابِ اللَّهِ، وَيُبَيِّضُ وَجْهَهُ عِنْدَ اللَّهِ،
وَقَالَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ
قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَزِنُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا،
وَتُزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ {يَوْمَئِذٍ
تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة: 18] أَوْ قَالَ:
عَلَى مَنْ لَا
تَخْفَى عَلَيْهِ أَعْمَالُكُمْ.»
انتهى بتصرف قليلٍ واختصار من مدارج السالكين.
روى أبو
نعيمٍ في حلية الأولياء بسنده عن إمام التابعين؛ الحسنِ البصري رحمه الله تعالى
في ترجمته:
(
إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظٌ مِن نفسِه، وكانت المحاسبةُ من همِّه.)
انتهى من كلام الحسن رحمه الله تعالى.
ثالثًا سلسلة خطب شهر شوال 1432هـ
: