فضيلة الشيخ محمد الدبيسي حفظه الله
موقع غير رسمي يحتوي على المحاضرات الصوتية و كتب لفضيلة الشيخ

فضيلة الشيخ محمد الدبيسي حفظه الله / وظائف شهر شعبان - الوظيفة الأولى : صيام شهر شعبان

 

 

 

 

الوظيفة الأولى : صوم شهر شعبان

 

 

 

 

سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم  عن صيام شهر شعبان فقال: ((ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاس عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ , وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ , فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ))([1][1]) .

وروى البخاري أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ((كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ))([2][2])، وفي رواية: ((إِلَّا قَلِيلًا))([3][3]) .


 

 

قول النبي صلى الله عليه وسلم:  ((ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاس عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ))([4][1]).

كأنَّ "رَجباً" و"رمضان" مِن الشُّهور التي يُعظِّمها المؤمنون، ثم يَغْفُلون عن "شعبان"، وهذه هي الحال التي نحن فيها؛ فما أن يأتي "شعبان" حتى يترك الناس الاجتهاد والطاعات ويقصرون فيها –وهم مقصرون أصلا- يقول القائل:

ها "رمضان" قد أوشك، وإن شاء الله! في "رمضان" تُعَوِّض ذلك كله، وإنْ شاء الله! في "رمضان" يكون اجتهادك زائدًا ...، ويظل يفتح لك الشيطان باب التمني والأمل حتى تقعد عن العمل في "شعبان"، وحتى تتكاسل عنه.

وذلك ما تميل إليه النفس؛ لأنه كلما اقتربت تلك المواسم ضَعُفَت النَّفس عن العمل ؛ لأنها بظنها وتسويفها سَتُعَوِّض ذلك في "رمضان"، فإذا جاء "رمضان" على هذه النفوس الضعيفة، على هذا الإقبال الضعيف على الله تعالى لن يجدي "رمضان" شيئًا؛ أتاهم وهم خائبون، فانصرف عنهم وهم كذلك، فعادوا إلى الخيبة والخسارة التي نراها كل عام، إلا من رحم الله تعالى..

 

فَلْيِشُدّ أهل الإيمان إذًا على عزمهم، ولْيُوَثِّقُوا عهودهم، وليأخذوا حِذْرَهم، وليتيقظوا لفوات عمرهم؛ فالعمر يمر بأسرع مما نتخيل كنا نتكلم عن قرب مجئ رمضان وجاء ورحل، كأنه بالأمس القريب، وإذا "برمضان" التالي يوشك أن يعود؛ عام كامل قد مرَّ، تراك حاسبت فيه نفسك أيها المؤمن! إذا لقد علمتَ كم كانت خسارتك فيه، وكم ضَيَّعتَ فيه من أنفاس وأيام وشهور، وكم ضيعت ذلك كله في عدم تحصيل شيء في معادك ، وتحقيق أسباب نجاتك، وقد علمت أنَّك موقوف، ومسئول؛ أنه لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن شبابه وعن عمره وعن ماله أين ضيع ذلك كله؟

وكأنَّ عمرك لا يُساوي شيئًا، وكأنَّك لن تُسأل عنه، وكأنه شيء لم يفتحه لك؛ لتزيد به من حسناتك، ولتأخذ به في تثقيل موازينك، ولتُقْبِلَ به على ربك؛ خشية أن يأتيك الموت، وأنت على هذا الحال!

وكأنَّك من كَثْرَةِ مَا أَمدَّ لك الشيطان في الأمل، وأنساك بغتة الأجل، وأنساك قُرْبَ الموت والرحيل، كأنك بِمَأْمَن أن تنتقل إلى الرب الجليل وأن ترحل إليه، وأن تُحاسب بين يديه سبحانه وتعالى!

لذلك كان يصومه صلى الله عليه وسلم كله.

وهذه الوظيفة الأولى التي يتفكر فيها المؤمنون اتباعاً للنبي صلى الله عليه وسلم، واهتداءً بهديه، أن يصوموا شعبان إلا قليلًا، إلا يومًا أو يومين، أو أن يصوموا "شعبان" كله لمن اعتاد صيام هذه الأيام واسمع أول العقبات التي تثنيك عن ذلك لتستعد لها.

سوف يأتيك الشيطان ليقول لك: أنت إذا صُمْتَ "شعبان" كله سَتَضْعُف عن صيام "رمضان" وأنت إذا صمتَ "شعبان" لم تتمكن من أن تقوم بمصالح ووظائف "رمضان"؛ ليعوقه عن أن يقوم بتلك الوظيفة، والاهتمام بها، حتى لا يعد نفسه، وقلبه، وروحه، وبدنه لصيام "رمضان".. للمغفرة ..للعتق من النار إذ ذاك أصعب شئ على الشيطان أن يراه مقبلاً طائعاً.

ماذا يصيب المرء مثلا إذا صام "شعبان" وصام "رمضان"؟؟

كأنه سيَحدُثَ لَهُ مَا لَم يَحدث من الآفات والأوجاع، أو من تضييع العمر، أو من ذهاب المال، أو من تعطيل المصالح.

كل ذلك تخويف الشَّيطان، وتسويله الذي ينبغي أن تَحْذَرَ له من أول الأمر، سيأتيك الشيطان بكل الموانع، وبكل العَقَبَات وبكل المعوقات التي تصُدُّك عن أن تقوم بهذه الوظيفة.

ولست أيها المسكين! وأنت شاب فارغ من مشاغِل الدُّنيا، ومن مشاغل الدِّين كذلك أن تتكاسل وتضعف عن القيام بهذه الوظيفة؛ النبي صلى الله عليه وسلم على عِظَمِ مشاغله من "الجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة، والقيام بمصالح المؤمنين، والقيام على معايشهم، والقيام على تعليمهم وفِقْهِهِم سفَرهم وحَضَرِهم".

كل ذلك لم يمنعه، لماذا؟ لأنه متوكل على الله , قوي به, مدده منه سبحانه وتعالى, محب لعبادته لا يستثقلها ولا يملها, له أعظم الأشواق لله والآمال فيه.

ليتوكل المرء على الله إذا ؛ ويجعل له هدفًا يريد أن يصل إليه، وهو أن يغفر الله له في "رمضان"، ويعلم أنَّ المغفرة التي يود أن يُحَصِّلَها مهما بذل لها فذلك شيءٌ قليل، ولو صام عمره كله لم يكن شيئًا كثيرًا؛ لِيُحَصِّل به مغفرة الله تعالى..

وليعلم أنه مهما أقبل على الله تعالى، وتوكل عليه في ذلك فإن الله حسبه، فإن الله يكفيه، يعني:

إن المشاغل التي سيعوقك بها الشَّيطان من الضعف، ومن المصالح، ومن السفر، ومن كذا، وكذا.. الله تعالى يكفيك إياها ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾[الزمر:36].

فإذا ما تَيَقَّنُ المرء أن الله تعالى يكفيه، وأن الله تعالى قادر، وقوي على أن يعينه في تحصيل هذه الوظائف، فكيف يُحَصِّلها؟!

لذلك يَدْخُلُ على أعمال الإيمان لا يهمه عواقبها؛ لأن عواقبها بيد الله وهي عواقب محمودة؛ ولأن الله -تبارك وتعالى- إذا فتح له باب طاعة هَيَأهُ لها، وإذا فتح له باب المغفرة هيأه لها، وقوَّاه عليها، وأمَدَّه بِمَدَدِهِ، فكيف تخشى إذًا أن يحدث كذا ..، وكذا..، والله تعالى معك، والله تعالى مؤيدك، وموفقك أيها المسكين؟! لما كان موسى عليه السلام في شغل الله نعالى وخشي العاقبة بقوله: ﴿إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى﴾ [طـه:45] قال: ﴿لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ﴾ [طـه:46].  فكان في شغلهما لما كانا في شغل الله تعالى.

 

لذلك: ينبغي أن يتعلم المرء هذه القضية في كل قضايا الإيمان، والعمل الصالح؛ ألا يلتفت إلى  تخويف الشَّيطان ومعوقاته وأنه سيقع له كذا وكذا، لا؛ ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾[الزمر:36] يُذكر بها نفسه ويقوي بها قلبه.

قال الله عز وجلّ في الحديث القدسي : ((إِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا ، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ))([5][2])  فهل تتقرب إليه بهذه الأنواع من أنواع القُرُبات، ثم يحجب عنك مدده، وقوته، وقدرته، وعونه، وتوفيقه، وتسديده، لا.. بل على العكس..

إذا ما تقربت بتلك القربات فأنت في محل التوفيق، محل المدد من الله تعالى، محل العَوْن، محل الإصابة والسداد، محل أن تكون هذه العواقب الحسنة كلها قد هيأها الله تعالى لك، فلا تخشى حينئذٍ شيئًا..

النبي صلى الله عليه وسلم قد ورد عنه أنَّه كان يقوم الليل كله، يدعو، ويُنَاشِدُ ربه، ثم يصبح ليجاهد المشركين، وليواجههم، وليقاتلهم كما رأينا في غزوة بدر.

فهذا هو مقتضى التوكل الذي يدفعك إلى المعنى الثاني الذي قد فُتِحَ له "شعبان" وهو معنى : " المجاهدة " .

 


 

([1][1]) [حسن] أخرجه النسائي (2357) ، وأحمد في المسند ( 5 / 201) من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه.

([2][2]) أخرجه البخاري (1970) ، ومسلم (1156) من حديث عائشة رضي الله عنها. 

([3][3]) أخرجه مسلم (1156) من حديث عائشة رضي الله عنه.

 

([4][1]) [حسن] تقدم من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه .

([5][2])أخرجه البخاري (7536) ، ومسلم (2675) من حديث أنس رضي الله عنه .

 

________________________________________________________

روابط ذات صلة : وظائف شهر شعبان   

ملف "إيقاظ أهل الإيمان لمغفرة رمضان"

________________________________________________________________________________________________________________

تنبيه هام : هذه الوظائف استخرجها محررو الموقع  -بحسب ما أدى إليه فهمهم واجتهادهم  - من كتاب فضيلة الشيخ حفظه الله تعالى "حال المؤمنين في شعبان " , وقد تم التصرف فيها كثيرا لتبسيطها وحتى يستفاد إخواننا من بعض الدرر الذي يحتويه هذا الكتاب , لذا فإن أي خطأ يتحمله المحررون وحدهم ,  وفضيلة الشيخ عافاه الله تعالى  ليست له علاقة به , ولا تنس أخي الكريم أن الكتاب أصله تفريغ لخطب "حال المؤمنين في شعبان" وخطب "الاستعداد لشهر رمضان" , لذا فإن أسلوب الاستطراد غالب عليه , والله الموفق

الحقوق الفكرية: فضيلة الشيخ محمد الدبيسي حفظه الله