فضيلة الشيخ محمد الدبيسي حفظه الله
موقع غير رسمي يحتوي على المحاضرات الصوتية و كتب لفضيلة الشيخ

 

 

 

ابحث داخل الموقع    

الرئيسية 

ترجمة الشيخ

ركن الصوتيات

مواعيد  الدروس

ركن الكتب

مختارات

ركن الملفات

ركن المقالات

إلي محرر الموقع

جديد الموقع

معلومات حول الموقع

 

 

 

أسباب اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين  بشهر شعبان:

  

   أولا: لأنه مقدمة لموسم المغفرة.

   ثانيًا: لأن تعمير أوقات غفلة الناس بالطاعة والعمل الصالح يرفع الله تعالى به البلاء عن بقية المؤمنين.

  ثالثًا:   الوفاء بعهد المؤمنين مع الله تعالى  استعدادا  لرمضان.

 

 

قد أَزِفَ شهر شعبان، وهو شهر له خصوصيته عند النبي صلى الله عليه وسلم، وله تعظيمه الذي ينبغي على المؤمنين أن يُعَظِّموه مثلما عَظَّمه النبي صلى الله عليه وسلم حيث أنه كان «يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ»([1])، وفي رواية: «إِلَّا قَلِيلًا»([2])، وقال لما سُئِلَ صلى الله عليه وسلم عن صيامه لشهر "شعبان": «ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاس عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ»([3]) ، وذلك التعظيم من النبي صلى الله عليه وسلم كان له أسباب منها:

 

الأول: أن رمضان موسم المغفرة، وينبغي على كل أحد -يريد الله تعالى والدار الآخرة- أن يهتم لهذه المغفرة، وأن يبذل لها وسعه، وذلك لما هيأ الله تعالى فيه من أسباب الرحمة والمغفرة والرضوان والعتق من النار.

 

فقد قال النبي صلى الله عليه وسلممَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»([4])، وقال : «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَاناً وَاحْتِسَاباً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»([5])، وقال : «وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ،  مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ ،  وَلاَ يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلاَّ مَحْرُومٌ »([6])، وزاد: « مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانَاً واحْتِسَابَاً غُفِرَ لَهُ مَا تَقَّدَّمَ مِنْ ذَنْبِهَ »([7]).

وله في كل ليلة عتقاء حتى إذا كان في آخر الشهر أعتق بعدد ما أعتق في الشهر كله ، وأن الصائم دعوته لا ترد كما قال صلى الله عليه وسلم: 

«ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ لاَ تُرَدُّ:  دَعْوَةُ الْوَالِدِ ، وَدَعْوَةُ الصَّائِمِ،  وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ»([8]).

وقد أعان المؤمنين على تحقيق ذلك بقوله: «إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ،  وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ،  وَيُنَادِى مُنَادٍ:  يَا بَاغِىَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ ، وَيَا بَاغِىَ الشَّرِّ أَقْصِرْ . وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ»([9]).

ومن ثم  لم يكن عذر حينئذ لأحد فقال صلى الله عليه وسلم حاكيًا عن جبريل عليه السلام: «مَنْ أتَى عَلَيْهِ رَمَضَانُ فَلَمْ يُغْفَرْ لَه أَبْعَدَه اللهُ، أَدْخَلَه النَّارَ . قُلْ آمِين . فَقُلْتُ: آمين»([10]) .

 

والسبب الثاني : تعمير أوقات غفلة الناس بالطاعة والعمل الصالح الذي يرفع الله تعالى به البلاء عن بقية المؤمنين.

وهو الأمر التالي الذي ينغي على أهل الإيمان أن يهتموا به أن "شعبان" فُتِحَ ليتحمل المؤمنون مسئوليتهم فيه من العمل الصالح الذي يرفع الله تعالى به البلاء عن بقية المؤمنين، فمسئولية المؤمنين أمام الله تعالى، ومسئوليتهم تجاه أمتهم، وحفظِ دينهم ، مسئولية عظيمة، وهي في محل الخطر؛ لأن ما نزل بغيرهم من المؤمنين المقصرين في أقطار الإسلام الأخرى من هلاك أو استضعاف أو بلاءٍ أو شدة يوشِك أن ينزل بهم؛ لأن ما نزل بغيرهم إنما نزل لنفس الأسباب التي يقعون هم فيها في هذه الأيام، فيوشك أن يكون شأنهم نفس الشأن، ويوشك أن يكون مصيرهم نفس المصير، ولا حول ولا قوة إلا بالله، عياذًا بالله من ذلك.

وإذا كان المؤمنون ينبغي أن يكونوا مُستعدين على كل حال فإنهم في تلك الأيام من أيام المغفرة ينبغي أن يَسْتَعِدُوا من أول يوم في شعبان ، لأن أيام المغفرة تأتي ليَزْدادُوا فيها استعدادًا، وَلِيزْدادوا فيها عملًا، وليزدادوا بها قربًا من الله ، وليزدادوا بها اجتهادًا، فمن كان مقصِّرًا أقلع، ومن كان مستقيمًا ازداد، ومن كان مُتَهَيِّئًا للرحمة إذا به يزداد من تلك الرحمة، ومن هذا التقرب إلى الله تعالى.

فإذا لم يحاول المؤمنون المهتمون اليوم أن يقوموا بتلك المسئولية الضخمة وبهذه الأعباء فَمَنْ يقوم بها؟!

وإذا لم يبلوا البلاء الحسن ، وإذا لم  يدفعوا هُم فمن يَدْفَعُ ومن يبلي؟!

وإذا لم يجتهدوا في القيام بتلك الأوامر النبوية من التحقق بأسباب المغفرة فمن يجتهد ؟!

وإذا ظل الاجتهاد هو مشكلة المؤمنون وعُقدتهم... وظلت نواياهم غير معقودة عليه، ولا مُهْتَمَّةٍ به حتى في تلك المواسم من مواسم المغفرة، فمتى تنعقد تلك النوايا على الاجتهاد ؟

جاء "شعبان" إذن ليتعلم فيه المرء هذا الاجتهاد وليكون هو المُقَدِّمَةَ لتلك المغفرة التي ينبغي أن يستعد المؤمنون لها الاستعداد الجيدَ -الذي طالما قصَّر فيه المؤمنون- وقالوا قولهم المعتاد الذي نسمعه كل عام بعدما خرجوا من رمضان كما دخلوا فيه:  «إن شاء الله من العام المُقْبِل سوف نحاول، وسوف نبدأ، وسوف نُعِدُّ أنفسنا من أول يوم، وسوف لا يضيع علينا "رمضان" كما ضاع من قبل!»  وكذا، وكذا مما نسمع من هذه الأماني، وتلك العهود التي يُعَاهِدُ المؤمنون ربهم  وأنفسهم أن يتحققوا بها، وأن يلتزموا بمقتضاها، وأن يُوَفُّوا بها لله تعالى.. ثم يعودوا سيرتهم الأولى السيئة المعلومة ! فكم من قائل إنه سيبدأ وسيحاول ، ثم تغلبه نفسه أو يغلبه شيطانه ، وينقض عهده مع الله ! وقد أضافت هذه العهود السابقة سببا ثالثا للاهتمام بشهر شعبان.

 

السبب الثالث: الوفاء بعهد المؤمنين مع الله من الاستعداد لرمضان

فقد كان المؤمنون عندما انقضى "رمضان" الماضي، والذي قبله، والذي قبله، يقولون: من الذي حصَّل المغفرة؟ من الذي حصَّل العِتق من النَّار؟

يا ليت شِعْري من المقبول           فنهنيه ومن المردود فنعزيه

ثم خرج المؤمن من رمضان وعاد فجأة إلى دنياه، وإلى كَسَلِهِ، وإلى غَفْلَتِهِ، وإلى بُعْدِهِ، ولم تَعُدْ حاله كما كانت على هذه الأحوال الحسنة في "رمضان" فإذا به يَتَحَسَّر على ذلك، ويَحْزُن لما صار إليه فجأة بعد أن كان في حالة عالية، وأحوال سَنِيَّة، وأعمال رَضِيَة، إذا به ينتقل إلى العكس، وكأنه لم يكن في "رمضان" ، فلا قيام، ولا صيام، ولا ذِكْر، ولا قرآن، ولا شي.  وإن كان ثَمَّ شي من ذلكء فهو قليل متقطع شملته الغفلة. ثم يُعاهد ربَّه أن يعوض ذلك في شعبان القادم، وأنه سيبدأ فيه من أول يوم.

فهؤلاء قد أتاهم "شعبان" ليكون الموسم الذي فتحه الله جل وعلا لهم ليدركوا هذه العهود، وليكون تقدمة "لرمضان" لِيُنَفِّذوا عهودهم،

لِيُوَفُّوا بما عاهدوا الله تعالى عليه؛ ليُثبتوا أنهم مُتحمِّلون لتلك المسئوليات، وأنهم لن يقصِّروا فيما قصروا فيه من قبل، وإنما قد جاءتهم

الفرصة ليُرُوا ربهم سبحانه وتعالى، أنهم حقًا يريدون مغفرته، وأنهم حقًا يريدون أن يعتقهم من النار، وأن يخرجهم من الحالة الراكدة التي هم فيها ، ليخرجهم من ذلك كله I؛ بعفوه، وفضله وَمَنِّهِ إلى حال أحسن، وإلى موسم أعظم، وإلى تلك المقامات السامية مع الله تعالى التي يرضى عن عباده فيها.

جاء هذا الموسم ليحقق لهم ما فات عليهم في المواسم السابقة، ها قد فتح الله تعالى في أعمارهم؛ كانوا يتمنون بعد "رمضان" ماضٍ ، لو يأتي عليهم "رمضان"، فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ »([11])، ها قد جاء وقتهم ليوفُّوا بعهودهم.. تُراهم يوفُّون ؟!

هم بين أمرين: إما أن يكونوا كسابق عهدهم وإما أن يُوَفُّوا مع الله تعالى لِعِلْمِهم أنَّه يمكن أن لا يعود عليهم ذلك مرة أخرى.

مَنْ الذي يضمن أن يعود عليه "رمضان" مرةً أخرى؟ ولو عاد إليه مَن الذي يضمن أن يُفتحَ له باب القبول خاصة وأنه لم يُوَفِّ من قبل، وقد خدعه الشَّيطان ومنَّاه أنه سيكون في "رمضان" أحسن مما كان              في ذي قبل؟! ولم يحدث ذلك.

مَنْ الذي ضَمِنَ قلبَه ؟ ومَنْ الذي ضمن أن يفتح الله تعالى له بابه؟! وقد رآه متكاسلًا، رآه يَدْفَع نعمة الله تبارك وتعالى، ويُعْرِضُ عنها،   ولا يأخذها بالقوة. هو قد أعْرضَ عن هذه الرحمة، وعن تلك المغفرة ولم يبالِ بها، وأخذها بهذا التكاسل، وهذا التواني، وهذا الضعف..تُراه بعد ذلك يفتح الله تعالى له؟!

لذلك كان أول ما ينتظره المؤمنون من هذا الشهر هو الاستعداد لرمضان كموسم من مواسم المغفرة، فإنهم يعلمون إنهم إن لم يستعدوا لهذا الشهر كما كان حال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإنَّ رمضان سينقضي عليهم كما انقضى غيره من قبل ، ويخرجون منه بالحسرة، ويخرجون منه بالحزن والألم، ويخرجون منه على الحال التي لا يمكن أن تتحقق بها المغفرة كما قال صلى الله عليه وسلم فيها  «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»([12]) .

فَمَنْ الذي أحسَّ بهذا المغفرة بعد رمضان ؟

ومن الذي أحسَّ بهذا العتق من النار بعد رمضان ؟

ومَن الذي أحسَّ برحمة الله تعالى تنزل عليه فينتقل مما هو فيه إلى الحال الحسن، وإلى استقامة أشد على طريق الله تعالى ؟

َمَنْ الذي أحسَّ بذلك كله ؟!
 


 ([1])البخاري (1970), ومسلم (1156) من حديث عائشة رضي الله عنها.

 ([2])مسلم (1156) من حديث عائشة رضي الله عنها.

([3]) أخرجه الإمام أحمد في المسند ( 5 / 201) مرفوعا إلى النبي ﷺ من حديث   أسامة بن زيد رضي الله عنه, قال الشيخ شعيب في التحقيق: إسناده حسن.

([4]) متفقٌ عَلَيْهِ: البخاري (38), مسلم (760) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

([5]) متفقٌ عَلَيْهِ: البخاري (2009), مسلم (759 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

([6] ) رواه ابن ماجه (1644) , قال المنذري : (إسناده حسن إن شاء الله تعالى) اهـ الترغيب (1491) ط. العلمية.

([7] ) متفقٌ عَلَيْهِ: البخاري (2014), مسلم (760 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

([8]) رواه البيهقي في الكبرى عن أنسٍ بن مالكٍ رضي الله عنه مرفوعا (ح: 6620) - مجلس دائرة المعارف النظامية - حيدر آباد- ط 1, قال النووي في خلاصة الأحكام: إسناده صحيح على شرطهما. اهـ (ح: 3080) مؤسسة الرسالة – بيروت, ط1 ,سنة 1418هـ - 1997م. 

([9])رواه الترمذي  واللفظ له (682) وقال:غريب, وابن خزيمة في صحيحه بنحوه (1883),  وابن حبان (8/221) وقال الشيخ شعيب في التحقيق (إسناده قوي) ,  والحاكم في المستدرك (1532) وقال: (حديث صحيح على شرط الشيخين).

([10]) من حديث أبي هريرة, رواه ابن حبان (3/188) في صحيحه, وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن. 

([11])أخرجه الترمذي (3545 ) وقال: "حديث حسن غريب", وابن حبان في صحيحه (3/189)  قال الشيخ شعيب في التحقيق: (إسناده صحيح على شرط مسلم) اهـ , كلاهما يرويه من  

حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال المنذري: (رَغِمَ - بكسر الغين المعجمة - أي لصق بالرغام وهو التراب ذلًا وهوانًا,  وقال ابن الأعرابي:  هو بفتح الغين  ومعناه: ذل) اهـ من الترغيب (ح:2596)  .  

([12])  أخرجه البخاري (38), ومسلم (760) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . 

________________________________________________________

روابط ذات صلة : وظائف شهر شعبان   

ملف "إيقاظ أهل الإيمان لمغفرة رمضان"

________________________________________________________________________________________________________________

تنبيه هام : هذه الوظائف استخرجها محررو الموقع  -بحسب ما أدى إليه فهمهم واجتهادهم  - من كتاب فضيلة الشيخ حفظه الله تعالى "حال المؤمنين في شعبان " , وقد تم التصرف فيها كثيرا لتبسيطها وحتى يستفاد إخواننا من بعض الدرر الذي يحتويه هذا الكتاب , لذا فإن أي خطأ يتحمله المحررون وحدهم ,  وفضيلة الشيخ عافاه الله تعالى  ليست له علاقة به , ولا تنس أخي الكريم أن الكتاب أصله تفريغ لخطب "حال المؤمنين في شعبان" وخطب "الاستعداد لشهر رمضان" , لذا فإن أسلوب الاستطراد غالب عليه , والله الموفق

 

 

 

 

الحقوق الفكرية محفوظة لـ : فضيلة الشيخ محمد الدبيسي حفظه الله