هذا الكتاب يتعرض لقضية حال
المؤمنين بعد الخروج من رمضان , وهي قضية مهمة وخطيرة
لارتباطها بأمرين :
الأمر
الأول: بعد انتهاء الموسم العظيم الذي فتحه الله تعالى بالفرص
العظيمة لأهل الإيمان ليتحققوا فيه بالمغفرة والعتق من النار، فاز فيه من
فاز بالمغفرة والرحمة والعتق من النار وأخذ في السير في طريق الله تعالى,
وخاب من خاب وخسر، وكلا الفريقين يسأل:
كيف يحافظ المرء على هذه الأحوال التي قد حصل في رمضان و أن يشكر ربه على
ما كان من رحمة ومغفرة؟ أو إذا لم يكن قد
حصل شيئا وخرج خائبا فكيف يعاود طريقه إلى الله تعالى مرة أخرى ؟
الأمر
الثاني: بعد رمضان ما تزال نعم الله تعالى تتوالى على المؤمنين
بفتحه لهم أيام البر وموسم الحج إذ أنه من أعظم مواسم المغفرة والناس فيه
أيضا على ضربين، الأول : الذي حصل المغفرة في رمضان فأتت هذه
المواسم لتكون زادًا ليزداد من هذه الطاعات وليتمكن من شكر الله تعالى على
مافتح عليه. والثاني: فهو الذي لم يحصل تلك المغفرة في رمضان فأتت كذلك تلك
المواسم ليلتحق بركب السائرين في طريق الله تعالى وليتمكن من تعويض ما فات
من الطاعات. ففتح الله تعالى هذه المواسم لكلا
الفريقين ليغفر لهم ويرحمهم وتكون سببًا في عتقهم من النار,
وكذلك لتحقق بها أشواق أهل الأيمان للوصول لبيت الله تعالى
تمهيداً لرؤية الرب في الميعاد المضروب يوم يقوم الناس لرب العالمين
.
فجائت هذه الخطب بتوضيح علامات السائرين في طريق الله، وتبيين السبيل الذي
ينبغي على أهل الأيمان أن يسلكوه في الأشهر المعلومات ولتشير لتلك المعالم
المضيئة التي تعين السائرين على الاستقامة في طريق الله وعدم النكوص أو
الانحراف.
واعلم
أن ذلك كله لا يمكن تحقيقه إلا بالاستعانة بالله تعالى والارتكان إلى قوته
والتوكل عليه والتضرع إليه سبحانه وتعالى ألا يكلنا إلى أنفسنا.
وفي
النهاية فما كان من صواب فمن الله تعالى وحده، وما كان من خطأ فمنا ومن
الشيطان، والله ورسوله منه بريئان، ورحم الله امرأ أهدى إلينا عيوبنا.
نسأل
الله تعالى أن ينفع به قائله وكاتبه وناشره والناظر فيه إنه سميع الدعاء.
|