فضيلة الشيخ الدكتور/ محمد الدبيسي حفظه الله
موقع غير رسمي يحتوي على المحاضرات الصوتية و كتب لفضيلة الشيخ

 

فضيلة الشيخ محمد الدبيسي حفظه الله /  مقالات / دعوات فك الكرب وتفريج الهم وقضاء الدين والاستعاذة منها  (راجع آخر تعديل للصفحة لمعرفة الجديد)

 

 

ابحث داخل الموقع    

الرئيسية 

ترجمة الشيخ

ركن الصوتيات

مواعيد  الدروس

ركن الكتب

مختارات

ركن الملفات

ركن المقالات

إلي محرر الموقع

جديد الموقع

معلومات حول الموقع

 

 

                                                                                  

تنبيه مهم:

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ صلى ال له عليه وسلم.

 

وبعدُ، فإن الدعاءَ من أهمِّ ما يرفعُ الله تعالى به البلاءَ ويفرّج الكربَ ويقضي به الدَّيْنَ، وقد وردت عدةُ أحاديث صحيحة بدعواتٍ جليلةِ القدْر قدْ علّمها النبيُّ صلى الله عليه وسلم للأُمّة في ذلك ، لكن - للأسف الشديد - لا يعرفها كثيرٌ من الناس، وفي المقابل يقبلون على أدعيةٍ غير نبوية، أو أدعيةٍ مأثورةٍ؛ لكنْ لا يصحّ إسنادُها بحالٍ، وبالتالي قد لا تأتي هذه الأدعية بالأثر المرجو. ولا شكّ أن حفظ دعواتِ النبي صلى الله عليه وسلم والتي حرصَ على تعليمها للصحابة أو واظب هو - صلى الله عليه وسلم - عليها  خيرٌ من الدعوات الغير ثابتة عنه.

 لذا فقدْ جمعتُ هذا الدعوات النبوية الشريفة من كتاب (صحيح الترغيب والترهيب)، مع ذكر تخريجٍ موجزٍ لكلّ حديثٍ؛ مع بيان درجة صحّة كلّ حديث نقلتُها من  كلام أحد علماء علم الحديث الموثوقين، مع التركيز على شرح موجزٍ لها حتى يشعر المرءُ بالمعاني القلبيّةِ المهمّة التي ينبغي أن يستحضرها حالَ دعائِه؛ قال تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ}[الزمر:9]

وأسألُ الله تعالى أن يتقبل ذلك منّي وأن يغفرَ ذلَّاتي ، وأن يعفو عنّي وعنْ والديَّ ومشايخِي وأهلِي وأصحابِ الحقوق عليَّ، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه.

 

-------------------------------------------------------------------------------

 

دعوات فك الكرب، وتفريج الهم والاستعاذة منه، وقضاء الدين،  وشرح بعض الأحاديث الواردة في ذلك (1) )

أولا: نص الأحاديث 

     القسم الأول: دعوات فك الكرب وتفريج الهم والاستعاذة منه

     القسم الثاني: أحاديث قضاء  الدين

ثانيا:  شرح بعض الأحاديث الواردة

      1- شرح الحديث الأول: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ:  لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ

      2- شرح الحديث الثاني: أَلاَ أُعَلِّمُكِ كَلِمَاتٍ تَقُولِينَهُنَّ عِنْدَ الْكَرْبِ – أَوْ: فِى الْكَرْبِ - : "اللَّهُ.. اللَّهُ رَبِّى؛ لاَ أُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً"

      3- شرح الحديث الثالث: مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ وَحَزَنٌ: "اللَّهُمَّ إِنِّى عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ..

      4- شرح الحديث الرابع: اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ..      

      5- شرح الحديث الخامس:  دَعْوَةُ ذِى النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِى بَطْنِ الْحُوتِ..

      6- شرح الحديث السادس: كلماتُ الْمَكْرُوبِ: "اللَّهُمَّ! رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلاَ تَكِلْنِى إِلَى نَفْسِى طَرْفَةَ عَيْنٍ..

      7- شرح الحديث السابع:  أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْناً أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ

 

-------------------------------------------------------------------------------

 

أولا: نص الأحاديث

 

القسم الأول: دعوات فك الكرب وتفريج الهم والاستعاذة منه

 

الحديث الأول:

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ:

« لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ ، وَرَبُّ الأَرْضِ ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ »

رواه الإمامان:  البخاري  (6346) ،   ومسلم (2730) في صحيحيهما.

(رابط شرح الحديث)

*******

الحديث الثاني:

عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ: قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

 «أَلاَ أُعَلِّمُكِ كَلِمَاتٍ تَقُولِينَهُنَّ عِنْدَ الْكَرْبِ أَوْ: فِى الْكَرْبِ -: "اللَّهُ.. اللَّهُ رَبِّى؛ لاَ أُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً"»

رواه أبو داود (1525) وغيرُه، وحسّنه الحافظ ابن حجر كما في الفتوحات الربّانية (4/10)

(رابط شرح الحديث)

 

*******

الحديث الثالث:

وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

 مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ وَحَزَنٌ: "اللَّهُمَّ إِنِّى عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِى بِيَدِكَ، مَاضٍ فِىَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِىَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ: سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِى كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِى عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِى، وَنُورَ صَدْرِى، وَجَلاَءَ حُزْنِى، وَذَهَابَ هَمِّى"  إِلاَّ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحاً » .

قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: يَنْبَغِى لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ؟

 قَالَ: أَجَلْ. يَنْبَغِى لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ   

رواه الإمام أحمد، وابن حبان (3/253) وصحّح إسنادَه الشيخُ شعيب في تحقيق ابن حبان.

(رابط شرح الحديث)

*******

الحديث الرابع:

 عن أَنَسِ بْنَ مَالِكٍ  رضي الله عنه قال:

«اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ  وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ »

أخرجه البخاريُّ في مواضع منها: (6363)، وغيرُه.

(رابط شرح الحديث)

*******

 

الحديث الخامس:

وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

« دَعْوَةُ ذِى النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِى بَطْنِ الْحُوتِ: "لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّى كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِين".

 فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِى شَىْءٍ قَطُّ إِلاَّ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ»

  رواه الترمذي (3505) واللفظ له والإمام أحمد (3/170)،  وحسّنه الحافظ ابن حجر  رحمه الله تعالى كما في الفتوحات الربّانية (11/10).

(رابط شرح الحديث)

*******

 

الحديث السادس:

وعن أَبِى بَكْرَةَ  رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

 «دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ: اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو؛  فَلاَ تَكِلْنِى إِلَى نَفْسِى طَرْفَةَ عَيْنٍن  وَأَصْلِحْ لِى شَأْنِى كُلَّهُ،  لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ »

رواه أبو داود (5090) وسكت عنه، والإمام أحمد (5/42) وغيرهما ، وحسّنه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب (1823) 

(رابط شرح الحديث)

 

 

 

-إلى أعلى الصفحة-

 

-------------------------------------------------------------------------------

 

القسم الثاني: أحاديث قضاء  الدين

 

الحديث السابع:

عَنْ عَلِىٍّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ مُكَاتَباً جَاءَهُ فَقَالَ: إِنِّى قَدْ عَجَزْتُ عَنْ كِتَابَتِى؛ فَأَعِنِّى. قَالَ: أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْناً أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ؟ قَالَ:

 « قُلِ: اللَّهُمَّ اكْفِنِى بِحَلاَلِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِى بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ »

رواه الترمذي (3563) واللفظ له وقال حديث حسن غريب، وحسّنه الشيخ الألباني في صحيح الترمذي.

(رابط شرح الحديث)

 

 

*******

الحديث الثامن:

 وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ:

«ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك مثل جبل أُحُدٍ دينًا لأدَّاه الله عنك. قل يا معاذ:

"اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ، وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ، وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ، وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكِ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

 رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَرَحِيمَهُمَا، تُعطيهما مَن تشاءُ، وتمنع منهما من تشاء ،

 ارْحَمْنِي رَحْمَةً تُغْنِيني بِهَا عَنْ رَحْمَةِ مَنْ سِوَاك"»

أخرجه  الطبرانى فى الصغير (1/336 ، رقم 558) . قال المنذرى في الترغيب: (2/381) : إسناده جيد .

 

-إلى أعلى الصفحة-

 

 

 

ثانيا: فهرس شرح بعض الأحاديث الواردة

 

-------------------------------------------------------------------------------

 

 

1- شرح الحديث الأول:  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ:  لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ  

 

 

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ:

« لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ ، وَرَبُّ الأَرْضِ ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ »

رواه الإمامان:  البخاري  (6346) ،   ومسلم (2730) في صحيحيهما.

*******

شرح الحديث:

 

قَالَ الإمام النَّوَوِيُّ  رحمه الله تعالى: هَذَا حَدِيثٌ جَلِيلٌ يَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِهِ، وَالْإِكْثَارُ عَنْهُ عِنْدَ الْكَرْبِ وَالْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ.

وقَالَ الطَّبَرِيُّ : كَانَ السَّلَفُ يَدْعُونَ بِهِ وَيُسَمُّونَهُ دُعَاءَ الْكَرْبِ.

 

(أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ) "الكرب" أي الغمّ الذي يأخذ النفس،  كذا في الصحاح،  وقيل: الكرب أشد الغم - قاله الواحدي،  وقال  الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: "هو ما يُدهم المرءَ مما يأخذ بنفسه فيغمه ويحزنه" اهـ. في رواية لمسلم:  (كان يدعو بهن ويقولهن عند الكرب)، وفي رواية أخرى لمسلم أيضًا: (كَانَ إِذَا حَزَبَهُ أمرٌ) أي هجم عليه أو غَلبه، أو نزل به همٌّ أو غمٌّ (قال:)

 

 (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ) التَّهْلِيل – أي قوله: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ - الْمُشْتَمِل عَلَى التَّوْحِيد َهُوَ أَصْل التَّنْزِيهَات الْجَلَالِيَّة لله تعالى (الْعَظِيمُ) أي العظيمُ ذاتا وصفة؛  فلا يتعاظم عليه مسألةٌ؛ لأن الْعَظَمَة تَدُلّ عَلَى تَمَام الْقُدْرَة ، (الْحَلِيمُ) الذي لا يَعْجَلُ بالعقوبة؛ فلم يعاجل بنقمته على مَن قصَّر في خدمته، بل يكشف المضرَّةَ عنه برحمته سبحانه وتعالى، ، وَالْحِلْمُ يَدُلّ عَلَى الْعِلْم ، إِذْ الْجَاهِل لَا يُتَصَوَّر مِنْهُ حِلْم وَلَا كَرَم ، وَهُمَا أَصْل الْأَوْصَاف الْإِكْرَامِيَّة .

 

 (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) ، أي فلا يُطْلَبُ إلا مِنْه،  ولا يُسْأَلُ إلا هو، لأنه لا يكشف الكرب العظيم إلا الرب العظيم،

ومعنى "الرب" في اللغة يُطْلق على المالك والسيد والمدبر والمربى والمتمم والمنعم،  ولا يطلق غير مضافٍ إلا على الله تعالى، وإذا أطلق على غيره أضيف،  فيقال رب كذا. و استخدام لفظ "الرب" من بين سائر الأسماء الحسنى لكونه مناسبا لكشف الكرب الذي هو مقتضى التربية.

 

 وتخصيص "العرش" بالذكر لأنه أعظم أجسام العالم، فيدخل الجميعُ تحتَه دخولَ الأدنى تحت الأعلى.

 

 

 (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ ، وَرَبُّ الأَرْضِ ، وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) وهذا إطناب مرغوب وإلحاح مطلوب. ووصف العرش هنا بالكريمِ أي الحَسَنِ؛ فهو ممدوحٌ ذاتًا وصفةً من حيث الكيف . وفي الجملة الأولى:  وصف العرشَ بالعظمة من حيث الكَمِّ .

 

 

*******

مسألة: قَالَ الطَّبَرِيُّ : مَعْنَى قَوْل اِبْن عَبَّاس " يَدْعُو " - في أول الحديث في إحدى الروايات: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يدعو عِنْدَ الْكَرْبِ) -  وَإِنَّمَا هُوَ تَهْلِيلٌ وَتَعْظِيمٌ يَحْتَمِل أَمْرَيْنِ:

 

     1-     أَحَدهمَا: أَنَّ الْمُرَاد تَقْدِيم ذَلِكَ قُبَيْل الدُّعَاء كَمَا وَرَدَ مِنْ طَرِيق آخر وَفِي آخِره " ثُمَّ يَدْعُو " . وَفِي " الْأَدَب الْمُفْرَد " مِنْ طَرِيق عَبْد اللَّه بْن الْحَارِث " سَمِعْت اِبْن عَبَّاس " فَذَكَرَهُ وَزَادَ فِي آخِره: " اللَّهُمَّ اِصْرِفْ عَنِّي شَرّه "

 

                قَالَ الطَّبَرِيُّ : وَيُؤَيِّد هَذَا مَا رَوَى الْأَعْمَش عَنْ إِبْرَاهِيم قَالَ : كَانَ يُقَال إِذَا بَدَأَ الرَّجُل بِالثَّنَاءِ قَبْل الدُّعَاء اُسْتُجِيبَ ، وَإِذَا بَدَأَ بِالدُّعَاءِ قَبْل الثَّنَاء كَانَ عَلَى الرَّجَاء .

 2-   ثَانِيهمَا: مَا أَجَابَ بِهِ اِبْن عُيَيْنَةَ فِيمَا حَدَّثَنَا حُسَيْن بْن حَسَن الْمَرْوَزِيُّ قَالَ " سَأَلْت اِبْن عُيَيْنَةَ عَنْ الْحَدِيث الَّذِي فِيهِ أَكْثَر مَا كَانَ يَدْعُو بِهِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَة لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ " الْحَدِيث فَقَالَ سُفْيَان : هُوَ ذِكْر ، وَلَيْسَ فِيهِ دُعَاء ، وَلَكِنْ قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَبّه عَزَّ وَجَلَّ : مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْته أَفْضَل مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ " .. قال الحافظ ابن حجر : وَيُؤَيِّد الِاحْتِمَال الثَّانِي حَدِيث سَعْد بْن أَبِي وَقَّاص رَفَعَهُ «دَعْوَة ذِي النُّون إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْن الْحُوت : "لَا إِلَه إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانك إِنِّي كُنْت مِنْ الظَّالِمِينَ"، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُل مُسْلِم فِي شَيْء قَطّ إِلَّا اِسْتَجَابَ اللَّه تَعَالَى لَهُ» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِم ، وَفِي لَفْظ لِلْحَاكِمِ " فَقَالَ رَجُل : أَكَانَتْ لِيُونُس خَاصَّة أَمْ لِلْمُؤْمِنِينَ عَامَّة ؟ فَقَالَ رَسُول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلَا تَسْمَع إِلَى قَوْل اللَّه تَعَالَى ( وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) .

 

انظر بتصرف شديد جدا واختصار: مرقاة المفاتيح للملا على القاري، وفتح الباري للحافظ ابن حجر، وفيض القدير للمناوي، وتحفة الأحوذيّ للمباركفوري، رحمهم الله تعالى.

 

 

 

-إلى أعلى الصفحة-

 

-------------------------------------------------------------------------------

 

 

2- شرح الحديث الثاني: أَلاَ أُعَلِّمُكِ كَلِمَاتٍ تَقُولِينَهُنَّ عِنْدَ الْكَرْبِ – أَوْ: فِى الْكَرْبِ - : "اللَّهُ.. اللَّهُ رَبِّى؛ لاَ أُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً"

 

عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ  رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

 «أَلاَ أُعَلِّمُكِ كَلِمَاتٍ تَقُولِينَهُنَّ عِنْدَ الْكَرْبِ أَوْ: فِى الْكَرْبِ -: "اللَّهُ.. اللَّهُ رَبِّى؛ لاَ أُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً"»

رواه أبو داود (1525) وغيرُه، وحسّنه الحافظ ابن حجر كما في الفتوحات الربّانية (4/10)

*******

شرح الحديث:

 

وفي رواية أخرى عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم:

 

«إذا أصاب أحدكم همٌّ أو لَأْوَاء فلْيَقُلِ : اللَّهُ... اللَّهُ رَبِّى؛ لاَ أُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً"» أخرجه الطبراني في الأوسط، وحسَّنه الشيخ الألبانيُ في صحيح الجامع (349) .

 

 وفي رواية أخرى :  «كان إذا رَاعَه شيءٌ قال : "هو اللَّهُ رَبِّى؛ لاَ أُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً"»  ( صححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحه)

 

(أَلاَ أُعَلِّمُكِ) بكسر الكاف خطابا لمؤنث (كَلِمَاتٍ) عبر بصيغة جمع القِلَّة إيذانًا بأنها قليلة اللفظ؛ فيسهل حفظها، ونكَّرها تنويهًا بعظيم خطرها ورفعة محلها؛ فتنوينها للتعظيم،

 

 (تَقُولِينَهُنَّ عِنْدَ الْكَرْبِ) "الكرب" هو  ما يُدْهِم المرءَ مما يأخذ بنفسه فيُحزنه ويغمّه،

 

 وفي رواية أخرى: (إذا أصاب أحدكم همٌّ أو لَأْواء فليقل:) "اللأواء": شدة وضيق معيشة،

 

  (اللَّهُ... اللَّهُ) تكرير  لفظ الجلالة استِلْذَاذًا بذِكْره، واستحضارًا لعظمته، وتأكيدًا للتوحيد؛ فإنه الاسم الجامع لجميع صفات الجلال والجمال والكمال،

 (رَبِّى) أي الـمُحسِنُ إليّ بإيجادي من العدم، وتوفيقي لتوحيده وذِكْره والـمُربِّي لي بجلائل نِعَمِه، والمالكُ الحقيقيُّ لشأني كله ، ثم أفصح بالتوحيد

وصرح بذكره المجيد فقال: 

 (لَا أُشْرِكُ بِهِ) ،أي لا أشرك بعبادته - أي فيها-  (شَيْئا) من الخَلْق برياء، أو طلبِ أجرٍ لـمَنْ يسرّه أن يطلع على عمله،

 فالمراد  من الشرك في الحديث الشرك الخفي، أو المراد لا أشرك بسؤاله أحدًا غيره كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا} [سورة الجن: 20]

 

وفي رواية أخرى:  (لا شريك له) أي في كماله وجلاله وجماله ، 

 والمراد أن ذلك يُفرِّج الهمَّ والغَمَّ والضَنْك والضِيْق إنْ صدقتِ النيةُ وخلصت الطويةُ، لذا ينبغي الاعتناء بهذا الدعاء والإكثار منه عند الكرب.

 

وفي الرواية الثالثة: (كان إذا رَاعَه شيءٌ) أي أَفْزَعَه (قال: اللَّهُ رَبِّى؛ لاَ أُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً) أي لا مشارك له في مُلْكه. فيُسنُّ قولُ ذلك عند الفزع والخوف.

 

انظر بتصرف شديد جدا واختصار: فيض القدير للمناوي رحمه الله تعالى.

 

-إلى أعلى الصفحة-

 

-------------------------------------------------------------------------------

 

3- شرح الحديث الثالث: مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ وَحَزَنٌ: "اللَّهُمَّ إِنِّى عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ..

عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

 مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ وَحَزَنٌ: "اللَّهُمَّ إِنِّى عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِى بِيَدِكَ،

مَاضٍ فِىَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِىَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ: سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِى كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ،

 أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِى عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِى، وَنُورَ صَدْرِى، وَجَلاَءَ حُزْنِى، وَذَهَابَ هَمِّى"

  إِلاَّ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحاً » .

قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: يَنْبَغِى لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ؟

 قَالَ: أَجَلْ. يَنْبَغِى لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ   

رواه الإمام أحمد، وابن حبان (3/253) وصحّح إسنادَه الشيخُ شعيب في تحقيق ابن حبان

 

شرح هذا الحديث  المهم من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال في آخره في حق كلمات هذا الحديث: (يَنْبَغِى لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ) :

 

قوله: (مَا قَالَ عَبْدٌ قَطُّ إِذَا أَصَابَهُ هَمٌّ وَحَزَنٌ: "اللَّهُمَّ إِنِّى عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ) أي: ابن جاريتك، وهو اعتراف بالعبودية، وفي رواية أخرى: (فِيْ قبضتك) أي: في تصرُّفك وتحتَ قضائك وقدرك، ولا حركة لي ولا سكون إلا بأقدارك؛ وهو إقرار بالربوبية،

 

(نَاصِيَتِى بِيَدِكَ) أي لا حول ولا قوة إلا بك، وهو مقتبس من قوله تعالى: (مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا) في سورة هود،

 

  (مَاضٍ) أي ثابتٌ ونافذٌ (فِىَّ) أي في حقِّي (حُكْمُكَ)  أي حُكمُك الأمريُّ أو الكونيُّ؛ كإهلاكٍ وإحياءٍ، ومنعٍ وعطاء ،

 

(عَدْلٌ فِىَّ قَضَاؤُكَ) أي ما قدَّرتَه عليَّ؛ لأنَّك تصرفتَ في مُلْكك على وِفْق حِكْمَتِك،  

 

(أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ: سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ) أي ذاتَك، وهو مُجْمَلٌ،  وما بَعده تفصيلٌ له على سبيل التنويع لخاصٍ؛ أعني قولَه: (أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِى كِتَابِكَ) أي في جِنْس الكُتب الـمُنزَّلة، (أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ) أي:  مِن خُلاصِتهم؛ وهم الأنبياء والرسل، (أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ) أي تفردتَ به واحتفظته (فِى عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ) فلم تُلْهِمْه أحدًا، ولم تُنزِلْه في كتابٍ،

 

 (أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِى) ربيعَ قلبي  -في أحد معاني ربيع - أي راحتَه ،

وفي أحد المعاني الأخرى (رَبِيعَ قَلْبِي) الرَّبِيعُ : هُوَ الْمَطَرُ الْمُنْبِتُ لِلرَّبِيعِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ فِي دُعَاءِ الِاسْتِسْقَاءِ : (اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا رَبِيعًا مُرْبِعًا) وَهُوَ الْمَطَرُ الوسميُّ الَّذِي يَسِمُ الْأَرْضَ بِالنَّبَاتِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ : (الْقُرْآنُ رَبِيعٌ لِلْمُؤْمِنِ) . فَسَأَلَ اللَّهَ  تعالى أَنْ يَجْعَلَ القرأنَ مَاءً يُحْيي بِهِ قَلْبَهُ كَمَا يُحْيِي الْأَرْضَ بِالرَّبِيعِ . وَنُورًا لِصَدْرِهِ . وَالْحَيَاةُ وَالنُّورُ جِمَاعُ الْكَمَالِ كَمَا قَالَ تعالى : (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ)  ؛ لِأَنَّهُ بِالْحَيَاةِ يَخْرُجُ عَنْ الْمَوْتِ،  وَبِالنُّورِ يَخْرُجُ عَنْ ظُلْمَةِ الْجَهْلِ، فَيَصِيرُ  القلبُ حَيًّا عَالِمًا نَاطِقًا؛ وَهُوَ كَمَالُ الصِّفَاتِ فِي الْمَخْلُوقِ.

 

... ثُمَّ قَوْلُهُ : (أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي) لِأَنَّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ : الْحَيَا لَا يَتَعَدَّى مَحَلَّهُ ؛ بَلْ إذَا نَزَلَ الرَّبِيعُ بِأَرْضِ أَحْيَاهَا . أَمَّا النُّورُ فَإِنَّهُ يَنْتَشِرُ ضَوْءُهُ عَنْ مَحَلِّهِ . فَلَمَّا كَانَ الصَّدْرُ حَاوِيًا لِلْقَلْبِ، جَعَلَ الرَّبِيعَ فِي الْقَلْبِ،  وَ جعلَ النُّورَ فِي الصَّدْرِ لِانْتِشَارِهِ كَمَا فَسَّرَتْهُ الْمِشْكَاةُ ؛ فِي قَوْلِهِ : { مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ } وَهُوَ الْقَلْبُ.

(وَنُورَ صَدْرِى) مِن أوَّلِ قولِه " أن تجعل القرآن...إلخ" هذا هو مطلوب العبد، والجُمُل السابقة وسائل إليه، فأظهر العبدُ أولُا غايةَ ذُلّتِه وصِغَارِه، ونهايةَ عجزِه وافتقارِه، ثُمّ ثانيًا بيَّن عَظَمةَ شأنِه وجلالَة اسمِه سبحانه، بحيث لم يبقَ فيه بقيةً، وأَلطفَ في المطلوب حيث جعل المطلوبَ وسيلةً إلى إزالة الهمِّ المطلوب أولًا. وجعلَ القرآنَ ربيعَ القلب، وهو عبارة عن الفرح، لأن الإنسان يرتاع قلبه في الربيع من الأزمان، ويميل إليه في كل مكان، وأقول: كما أن الربيعَ سببُ ظهور آثار رحمة الله تعالى وإحياء الأرض بعد موتها، كذلك القرآن سببُ ظهور تأثير لطف الله من الإيمان والمعارف وزوال ظُلمات الكُفر والجهل والهرم،

 

 (وَجَلاَءَ) أي: إزالةَ (حُزْنِى، وَذَهَابَ هَمِّى" إِلاَّ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ حُزْنِهِ فَرَحاً" قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: يَنْبَغِى لَنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ؟ قَالَ: أَجَلْ. يَنْبَغِى لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ  )

 

 

انظر  بتصرفٍ واختصارٍ كثيرَيْنِ من "مرقاة المفاتيح" للملا على القاري، و"مجموع الفتاوى" لشَّيْخ الإسلام ابنِ تيميَّةَ-  رَحِمَهُما اللَّهُ تعالى.

 

-إلى أعلى الصفحة-

 

-------------------------------------------------------------------------------

 

4- شرح الحديث الرابع: اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ..

 

 عن أَنَسِ بْنَ مَالِكٍ  رضي الله عنه قال:

«اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ  وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ »

أخرجه البخاريُّ في مواضع منها: (6363)، وغيرُه.

*******

شرح الحديث:

 

قَالَ الْكَرْمَانِيُّ : هَذَا الدُّعَاء مِنْ جَوَامِع الْكَلِم.

 

(اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ) الهمُّ إنما يكون في أمر متوقع، والحزَن فيما وقع. والهم هو الحُزْن الذي يُذيب الإنسان، فهو أشد من الحزن، وهو خشونة في النفس لما يحصل فيها من الغم، وقال القاضي: الفرق بين الهم والحزن أن الحزن على الماضي، والهم للمستقبل ، 

(وَالْعَجْزِ) القصور عن فعل الشئ ، وهو ضد القدرة ، وأصله التأخر عن الشئ، 

(وَالْكَسَلِ) التثاقل عن الشئ مع وجود القدرة والداعية

 

 (وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ) أَصْل "الضَّلَع" الِاعْوِجَاجُ ، يُقَال ضَلَعَ أَيْ مَال  وَالْمُرَاد بِهِ هُنَا: ثِقَل الدَّيْن وَشِدَّته، وَذَلِكَ حَيْثُ لَا يَجِد مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْن وَفَاءً؛ وَلَا سِيَّمَا مَعَ الْمُطَالَبَة .

وَقَالَ بَعْض السَّلَف: مَا دَخَلَ هَمّ الدَّيْن قَلْبًا إِلَّا أَذْهَبَ مِنْ الْعَقْل مَا لَا يَعُود إِلَيْهِ.

 

 (وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ) شدة تسلطهم بغير حق تغلُّبا وجدلا، كَاسْتِيلَاءِ الرِّعَاع هَرْجًا وَمَرْجًا . اِسْتَعَاذَ  صلى الله عليه وسلم مِنْ أَنْ يَغْلِبهُ الرِّجَال لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْوَهْن فِي النَّفْس وَالْمَعَاش.

 

قال ابن القيم:  كل اثنين منها قرينتان:

1-      فالهم والحزن قرينتان؛ إذِ المكروهُ الوارد على القلب إنْ كان من مستقبلٍ يتوقعه أحدثَ الهمَّ،  أو من ماضٍ أحدثَ الحزنَ ،

2-      والعجز والكسل قرينتان؛  فإنْ تخلف العبد عن أسباب الخير؛ إن كان لعدم قدرته فالعجز،  أو لعدم إرادته فالكسل ،

3-              والجبن والبخل قرينتان؛ فإنّ عدم النفع إنْ كان ببدنه فالجبن، أو بماله فالبخل ،

4-     وضلع الدين وقهر الرجال قرينتان؛ فإن استعلا الغَيْرُ عليه؛ إنْ كان بحقٍ فضلعُ الدينِ، أو بباطل فَهُمٌ الرجال. انتهى من  كلام ابن القيم رحمه الله تعالى.

 

 

(تنبيه) قال بعضهم:  يجب التدقيق في فهم كلام النبوة ومعرفة ما انطوى تحته من الأسرار ؛

فالمحقِّق ينظر ما سببُ حصولِ القهر من الرجال فيجده من الحِجاب عن شُهود كونه سبحانه هو المحرِّكَ لهم حتى قهروه،  فيرجع إلى ربّه فيكفيه قهرَهم،

 والواقف مع الظاهر لا يشهده من الحق، بل من الخَلْق، فلا يزال في قهر!

     ولو شهِدَ الفِعْلُ من الله لزال القهرُ ورضيَ بحُكم الله، فما وقعتِ الاستعاذةُ إلا من سبب القهر الذي هو الحجاب.

 

انظر بتصرف شديد جدا واختصار: فتح الباري لابن حجر، وفيض القدير للمناوي-  رحمهما الله تعالى. 

 

 

-إلى أعلى الصفحة-

 

-------------------------------------------------------------------------------

 

5- شرح الحديث الخامس:  دَعْوَةُ ذِى النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِى بَطْنِ الْحُوتِ..

 

 

قال تعالى:

 

{وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87)

 

فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ }

 

[سورة الأنبياء: 87-88]

 

وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال:  قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

« دَعْوَةُ ذِى النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِى بَطْنِ الْحُوتِ: "لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّى كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِين".

 فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِى شَىْءٍ قَطُّ إِلاَّ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ»

 

  رواه الترمذي (3505) واللفظ له والإمام أحمد (3/170)،  وحسّنه الحافظ ابن حجر  رحمه الله تعالى كما في الفتوحات الربّانية (11/10).

 

*******

شرح الحديث:

 

(دَعْوَةُ ذِى النُّونِ) أي دعوة صاحب الحوت؛ وهو يونس عليه السلام (إذا) أي: حينَ (دَعَا وَهُوَ فِى بَطْنِ الْحُوتِ: "لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ)

 

 أي:  إنك أنت الإله المعبود الحق الذي تَقْدر على حِفْظ الإنسان حيًا في باطن الحوت، ولا قدرة لغيرك على هذه الحالة،

 

ثم أَرْدفَ عليه السلام ذلك بِقَوْلِه: (سُبْحَانَكَ إِنِّى كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِين) تصريحًا منه بالعجز والانكسارِ، وإظهارَ الذّلّة والافتقار لله جلَّ وعلا،

 

قال الحسنُ البصريُّ رحمه الله تعالى : "ما نجا إلا بإقرارِه على نفسه بالظلم

 

 

 (فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِى شَىْءٍ قَطُّ) بنيَّةٍ صادقةٍ صالحةٍ

 

(إِلاَّ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ) لأنها لـَمَّا كانت مسبوقةً بالعَجْز والانكسار، مَلْحوقٌة بهما صارت مقبولةً كما قال تعالى:

 

 {أَم مَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ} [سورة النمل: 62] ،

 

فإن قيل : هذا ذِكْرٌ لا دعاء قلنا : هو ذكرٌ يُستفتح به الدعاء، ثم يدعو بما شاء،  أو: هو كما ورد في حديثٍ – لكن في إسناده مقال:

 

 "مَنْ شغَله ذِكْري عن مَسئلتي أعطيتُه أفضل ما أُعطي السائلين"

 

انظر –بتصرفٍ كثير جدا: فيض القدير للمناوي رحمه الله تعالى.

 

********

 

قال الشيخ السعدي في تفسيره:

 

فنادى في تلك الظلمات: {لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} فأقرَّ لله تعالى بكمال الألوهية، ونزَّهه عن كل نقصٍ،

 

 وعيبٍ وآفة، واعترف بظلم نفسه وجنايته.

 

قال الله تعالى: { فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} ولهذا قال هنا:

 

 { فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ } أي الشدة التي وقع فيها،

 

{ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} وهذا وعدٌ وبشارة لكل مؤمن وقع في شدة وغَمٍّ أن الله تعالى سينجيه منها،

 

 ويكشف عنه ويُخفِّف  لإيمانه كما فعل بـ "يونس " عليه السلام.

 

********

 

فائدة:

 

قال فضيلة الشيخ محمد الدبيسي حفظه الله تعالى ما حاصله:

(وأخرج الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

« مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَالْكُرَبِ فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِى الرَّخَاءِ » . قَالَ الترمذيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. ([2])

 

من سرّه أى: من أراد أن يرى السرور في الشدة، والتفريج للكُرَب؛ فليكثر الدعاء عند رخائه؛ ليجد أثر ذلك عند شدائده،

 فإذا كنت في أيامك مطيعًا ومقبلاً وحافظاً لحدوده، وواقفًا عندها ومراعيًا لحقوقه، وممتثلاً لأوامره، ومنتهيًا عن نواهيه،

وتتقرب إليه بالنوافل، وأصابك الشيطان والنفس والهوى، ووقعت في التقصير والتفريط إذا برحمة الله تعالى تنتشلك وتحيطك مما وقعت فيه،

وإذا بدعائك في الرخاء يقف لك عند الشدة.

وخرّج ابن أبي حاتم وغيره عن أنس مرفوعاً: « أنَّ يونس - عليه السلام - لمَّا دعا في بطن الحوت ، قالت الملائكة :

يا ربِّ ، هذا صوتٌ معروفٌ من بلادٍ غريبة »، الصوت معروف، لكن أين ؟ لا نعرف؛ « فقال الله - عز وجل - : أما تعرفون ذلك ؟

 

 قالوا : ومَنْ هوَ ؟ قال : عبدي يونس ، قالوا : عبدُك يونس الذي لم يزل يُرفَعُ له عمل متقبل ودعوةٌ مستجابة ؟

قال : نعم ، قالوا : يا ربِّ ، أفلا ترحم ما كان يصنع في الرخاء فتنجيَه من البلاء ؟ قال : بلى ، قال :فأمر الله الحوتَ فطرحه بالعراء ».

 

وهذه القصة -بغض النظر عن السند ([3])، ففي سندها مقال- إنما معناها قد ذكره المولى -سبحانه وتعالى- بقوله:

 {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات : 143-144] يعني:

لولا أنه كان من المصلين الداعين في رخائه؛ لما استجيب له دعاؤه في الشدة، وللبث في بطن الحوت إلى يوم يبعثون، وهذا كان ليونس -عليه السلام- فما بالك بنا نحن؟!

 يعني: لما يقال عن يونس - على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام-:  {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}

 فكيف بنا نحن إن كان نبي الله يونس عليه السلام كان سيلبث إلى يوم يبعثون لولا أنه كان من المسبحين؟!...

فلنبادر  إذن إلى انتهاز أيام الرخاء؛ فلعلها لا تعود، وكلنا في حاجةٍ إلى رحمة الله تعالى في أيام الكرب والبلاء.

 

وقال الضحاك بن قيس: اذكروا الله تعالى في الرخاء؛ يذكركم في الشدة،

وإن يونس -عليه السلام- كان يذكر الله تعالى، فلما وقع في بطن الحوت قال الله -عز وجل-:{فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} ،

 وإن فرعون كان طاغيًا ناسيًا لذكر الله -جل وعلا- فلما أدركه الغرق {قَالَ آَمَنْتُ } [ يونس : 90]،  فقال الله تعالى له:

{آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [ يونس : 91] ، لا ليس الآن.

فينبغي  - أخي الكريمَ- أن تُصلح أحوالَ نفسِك، حتى لا يُقال لك أيضا: {آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}.

 

وقال سلمان الفارسي رضي الله عنه إذا كان العبد يذكر الله في السّراء ويحمده في الرخاء، فأصابه ضرٌ،  فدعا اللهَ؛ قالتِ الملائكة : "صوت معروف من أمرئ ضعيف". فيشفعون له» ، أى: هذا صوت معروفٌ بين الحين والآخر يَصعَد منه إلى الله تعالى دعاءٌ وعملٌ صالح، «وإن كان العبد لا يذكر الله في السراء ولا يحمده في الرخاء،  فأصابه ضر، فدعا اللهَ ؛ قالت الملائكة: "صوتٌ منكرٌ". فلم يشفعوا له([4]) .

 

قال رجل لأبي الدرداء رضي الله عنه: أوصني. قال: اذكر الله تعالى في السراء؛ يذكرك الله -عز وجل- في الضراء.

 وعنه -أي عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: ادْعُ الله في يوم سرائك لعله أن يستجيب لك في يوم ضرائك.

 .....

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية الكريمة: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}  الطلاق : 2] قال: يُنجِّيه من كل كربٍ في الدنيا والآخرة.


 


[2] - رواه الترمذي (3382) ط دار الكتب العلمية، بيروت، وقال: حديث غريب، وحسَنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع (6290)

 

   [3] أخرجه ابن حاتم في تفسيره وفي إسناده ضعف: فيه يزيد الرقاشي (أي ضعيفٌ في الحديث)،

 

ورُوي أيضا بنحوه عن أبي هريرة رضي الله عنه في مسند البزار وتفسير ابن جرير.

 

 قال الحافظ ابن كثير  رحمه الله تعالى في البداية والنهاية بعد ما ذكر حديثَ أنسٍ وأبي هريرةَ رضي الله عنهما:

 

 "ويزيد الرقاشي ضعيف، ولكن يتقوى بحديث أبي هريرة المتقدم كما يتقوى ذاك بهذا والله أعلم".

 

[4] - رواه ابن أبي شيبة في مُصنفه (8/179) موقوفا على سلمان رضي الله عنه.

 

 انتهى بتصرف كثيرٍ واختصار من "شرح حديث: احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ- الطبعة الثالثة" لفضيلة الشيخ محمد الدبيسي حفظه الله تعالى.

 

 

-إلى أعلى الصفحة-

 

-------------------------------------------------------------------------------

 

6- شرح الحديث السادس: كلماتُ الْمَكْرُوبِ: "اللَّهُمَّ! رَحْمَتَكَ أَرْجُو، فَلاَ تَكِلْنِى إِلَى نَفْسِى طَرْفَةَ عَيْنٍ..

 

 

وعن أَبِى بَكْرَةَ  رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

 « دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ: اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو؛  فَلاَ تَكِلْنِى إِلَى نَفْسِى طَرْفَةَ عَيْنٍن  وَأَصْلِحْ لِى شَأْنِى كُلَّهُ،  لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ »

رواه أبو داود (5090) وسكَتَ عنه، والإمامُ أحمد (5/42) وغيرهما ، وحسّنه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب (1823) 

 

 

********

 

(كلماتُ الْمَكْرُوبِ) أي الـمَغْمُومِ الـمَحْزُون، وفي رواية عند الإمام أحمد وأبي داود (دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ) "دَعَوَاتُ" أي الدعوات النافعة له الـمُزِيلة لكربه، والكَرْب هو  ما يُدْهِمُ المرْءَ مما يأخذ بنفسه ويغمُّه ويُحْزِنُه،

 (اللَّهُمَّ!) أي: يا اللهُ! (رَحْمَتَكَ أَرْجُو) أي لا أرجو إلا رحمتَك ، (فَلاَ تَكِلْنِى) أي لا تتركني (إِلَى نَفْسِى طَرْفَةَ عَيْنٍ) أي لحظةً ولمحةً، فإنها- أي نفسي-  أعْدَى لي من جميع أعدائي، وأنها عاجزةٌ لا تَقدر على قضاء حوائجي، قال الطيبي الفاء في فلا تكلني مرتب على قوله "رحمتك" .. كأنه قيل: "فإذا فوضتُ أمري إليك فلا تكلني إلى نفسي، لأني لا أدري ما صلاح أمري وما فساده، وربما زاولتُ أمرًا واعتقدتُ أن فيه صلاحَ أمري فانقلب فسادًا وبالعكس". قال تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.  [سورة البقرة: 216]

 

ولـمَّا فرغ عن خاصَّة نفسه، وأراد أن يَنفِي تفويضَ أمرِه إلى الغير، ويُثبته لله عَزَّ وجَلَّ قال: (أَصْلِحْ لِى شَأْنِى) أي أمري (كُلَّه) تأكيدٌ لإفادة العموم.

 

(لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ) خَتَمَهُ بهذه الكلمات  إشارةً إلى أن الدعاء إنما يَنفع المكروبَ ويُزيل كربَه إذا كان معه شهودٌ من العبد لله تعالى  بالتوحيد والجلال، فإذا استحضر العبد ذلك الشهود مع جَمْعِ الهِمَّة وحضور البال فهو حريٌّ بزوال الكرب في الدنيا، وحصول الرحمة ورفع الدرجات في الآخرة.

 

 

انظر- بتصرف كثير واختصار:   مرقاة المفاتيح للملا على القاري،  وفيض القدير للمناوي، رحمهما الله تعالى.

 

-إلى أعلى الصفحة-

 

-------------------------------------------------------------------------------

 

 

7- شرح الحديث السابع:  أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْناً أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ...

 

عَنْ عَلِىٍّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ مُكَاتَباً جَاءَهُ فَقَالَ: إِنِّى قَدْ عَجَزْتُ عَنْ كِتَابَتِى؛ فَأَعِنِّى. قَالَ: أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْناً أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ؟ قَالَ:

« قُلِ: اللَّهُمَّ اكْفِنِى بِحَلاَلِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وَأَغْنِنِى بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ »

رواه الترمذي (3563) وقال: «حديث حسن غريب»، وحسّنه الشيخ الألباني في صحيح الترمذي.

 

الشرح:

(عَنْ عَلِىٍّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ مُكَاتَباً) أَيْ: مكاتبًا لِغَيْرِهِ؛ وَهُوَ – أي المكاتب-  عَبْدٌ عَلَّقَ سَيِّدُهُ عِتْقَهُ في مقابل كَذَا من المال  بِشُرُوطٍ مَذْكُورَةٍ فِي كتب الْفِقْهِ، 

 (جَاءَهُ فَقَالَ: إِنِّى قَدْ عَجَزْتُ عَنْ كِتَابَتِى) : أَيْ: عَنْ بَدَلِهَا، وَهُوَ الْمَالُ الَّذِي كَاتَبَ بِهِ الْعَبْدُ سَيِّدَهُ، يَعْنِي بَلَغَ وَقْتَ أَدَاءِ مَالِ الْكِتَابَةِ وَلَيْسَ عندي مَالٌ؛

 (فَأَعِنِّى) : أَيْ: بأعنّي بِالْمَالِ،  أَوْ بِالدُّعَاءِ بِسِعَةِ الْمَالِ.

 

 (قَالَ: أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم) أي أَلَا أُخْبِرُكَ بِكَلِمَاتٍ، أَوْ بِفَضِيلَةِ دَعَوَاتٍ أَنَّهُ: (لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْناً أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ) أي أعانَك على أداء ذلك الدين إلى مُسْتَحِقِّهِ ، وأنقذَك من مَذلَّتِهِ، وقَالَ الطِّيبِيُّ ما حاصِلُه أنه: طَلَبَ الْمُكَاتَبُ الْمَالَ، فَعَلَّمَهُ الدُّعَاءَ؛ إِمَّا: لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْ الْمَالِ لِيُعِينَهُ، فَرَدَّهُ أَحْسَنَ رَدٍّ عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ

أَوْ:  أَرْشَدَهُ إلى تلك الدعوات إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْأَوْلَى وَالْأَصْلَحَ لَهُ – أي للمكاتب وكلّ        ِ مَن كان عليه دينٌ- أَنْ يَسْتَعِينَ بِاَللَّهِ لِأَدَائِهَا وَلَا يَتَّكِلَ عَلَى الْغَيْرِ ، وَيَنْصُرُ هَذَا الْوَجْهَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم بعدها:  " وَاغْنَنِي بِفَضْلِك عَمَّنْ سِوَاك". انتهي

 

(قُلِ: اللَّهُمَّ اكْفِنِى) "اكفني" مِنْ قولهم: «كَفَى» الشيءُ  يَكْفِي كِفَايَةً؛ فَهُوَ كَافٍ إذَا حَصَلَ بِهِ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ غَيْرِهِ، وَاكْتَفَيْتُ بِالشَّيْءِ اسْتَغْنَيْتُ بِهِ، أَوْ قَنِعْتُ بِهِ،

(بِحَلاَلِكَ عَنْ حَرَامِكَ) : أَيْ: مُتَجَاوِزًا أَوْ مُسْتَغْنِيًا عَن الحرام، يعني: قِني واحفظْني بالحلال عن الوقوع في الحرام (وَأَغْنِنِى بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ) مِن الخلْق. فمَن قال هذا الدعاء  بصِدْقِ نيَّةٍ وجَدَ أثرَ الإجابة.

 

انظر بتصرف كثير واختصار: مرقاة المفاتيح للملا علي القاري، مرعاةَ المفاتيح لأبي الحسن عبيدالله بن العلامة محمد عبدالسلام المباركفوري (ت: 1414 هـ)، وتحفةَ الأحوذي أبي العلا عبد الرحمن المباركفوري (ت : 1353) ، المصباحَ المنير للفيوميّ.

 

-إلى أعلى الصفحة-

 

-------------------------------------------------------------------------------

 

(1)  انظر بتصرف شديد جدا: أصل مادة أحاديث هذه المقالة في كتاب صحيح الترغيب والترهيب، باب:  الترغيب في كلمات يقولهن المَدْيُون والمهموم والمكروب والمأسور )

 

تنبيه مهم:  هذه المقالة كتبها  محُرِّرُ الموقع  اجتهادًا منه ونصحًا لإ خوانه  وبحسب ما أدى إليه فهمه واجتهاده،  لذا فإن أي خطأ يتحمله المحرر وحْدَه، وفضيلة الشيخ  الدكتور محمد الدبيسي عافاه الله تعالى  ليست له علاقة به،  والله الموفق.  اللهم ارزقنا العمل بما علمتنا واجعله حجة لنا لا علينا.

ولفضيلة الشيخ شرح صوتي ماتع لمعظم هذه الأحاديث - إن لم يكن كلها - في هذا الرابط: خطبتا : أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في فك الكرب ، فارجع إليها للفائدة.

 

-------------------------------------------------------------------------------

 

سجل موجز بتعديل الصفحة:

في 5-12-2010: إضافة رابط شرح الحديث الثالث والرابع.

في 7-12-2010: إضافة رابط شرح الحديث الخامس.

آخر تعديل: في 12-11-2011: إضافة رابط شرح الحديثَيْنِ: السادس والسابع، مع تحديث الصفحة لتكون كل الشروح في نفس الصفحة، وليس شرح كل حديث في صفحة مستقلة كما كان من قبل تيسيرًا لإخواننا إن شاء الله تعالى.

-------------------------------------------------------------------------------

-إلى أعلى الصفحة-

 

روابط ذات صلة :

1- مجموعة مقالات: شرح مختاراتٍ من صحيح دعواتِ  وأذكار النبيّ صلى الله عليه وسلم (فهرس مقالات شرح لدعوات)

2- شرح بعض المختارات من دعوات النبي محمدٍ صلّى الله عليه وسلم.

3-  مقالة ماتعة جدًا عن الدعاء

4- التوسل بالأعمال الصالحة لرفع البلاء: رَفْعُ الصَّخْرَةِ عَنْ صَدْرِ الأُمَّةِ- شرحٌ لحديث أصحاب الغار والصخرة (سلسلة خطب صوتية)

5- رَفْعُ الصَّخْرَةِ عَنْ صَدْرِ الأُمَّةِ- شرحٌ لحديث أصحاب الغار والصخرة- إصدار: 1.0-مُسْوَدَّةٌ. (تفريغ للخطب الصوتية)

 

 

 

 

 

*******

 آخر تحديث للصفحة: 16 ذو الحجة 1432هـ، 12-11-2011

 

 

 

 

بحث في الموقع بواسطة محرك البحث العملاق جوجل:

 

 

 

 

الحقوق الفكرية محفوظة لـ : فضيلة الشيخ محمد الدبيسي حفظه الله