فضيلة الشيخ الدكتور/ محمد الدبيسي حفظه الله
موقع غير رسمي يحتوي على المحاضرات الصوتية و كتب لفضيلة الشيخ

 

فضيلة الشيخ محمد الدبيسي حفظه الله /  مقالات  / من بركات القرآن الكريم: بركة التدبّر والتذكر؛ الجزء الأول

 

ابحث داخل الموقع    

الرئيسية 

ترجمة الشيخ

ركن الصوتيات

مواعيد  الدروس

ركن الكتب

مختارات

ركن الملفات

ركن المقالات

إلي محرر الموقع

جديد الموقع

معلومات حول الموقع

 

 

                                                                                  

 

أخي الكريم هذه المقالة اقتطعها محرر الموقع  من تفريغ للخطبة الثانية من سلسلة الخطب الصوتية  الماتعة " من بركات وأنوار القرآن الكريم" لفضيلة الشيخ الدكتور/  محمد الدبيسي حفظه الله تعالى، وقد تصرّف فيها المحرر كثير جدًا حتى تتناسب مع أسلوب القراءة؛ لا السماع؛ تيسرًا لإخواننا القُرّاء.

وسببُ اختيار هذه المقالة هو حثّ النفسِ أولا ، والإخوانِ ثانيًا، على الإقبال على تلاوة كلام الله  تعالى وتدبره وتذكّره مما يعود بالبركة على النفس والأهل والمجتمع والوطن.

 واللهَ تعالى أسألُه أن يجزيَ شيخَنا خيرَ الجزاء في الدنيا والآخرة وأن يجعلها في ميزان حسناته، وأن يرزقنا جميعًا الإخلاص والقبول.

----------------------

من بركات القرآن الكريم: بركة التدبّر والتذكر

الجزء الأول

تنبيه مهم:

 

قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}

 

لكن لماذا قال جل وعلا {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ} ؟ 

والجواب: لأنه – أي كتاب الله تعالى-  مُنْبَثَةٌ فيه البركةُ فى كل آياته، يعنى أن كل آية من آيات القرآن مباركة، يعنى أن كل آية فيها تلك البركة التى هى من كلام الله جلَّ وعلا. 

 و «البركة» معناها الخيرُ الكثير والنَّماء، ومعنى ذلك أن كلَّ آية تحمِل الخيرَ، وأن كل آية تمنع الشرَّ والفساد،

 لذلك قال: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ} فكانت هذه الآياتُ كلُّها مُبارَكةً؛ كل آية مباركة؛ لأنها إما أن تحمل خيراً،  أو أن تدفع شراً وفساداً فى العاجل والآجل، وبالتالى كان القرآن كلُّه - كلُّ آيةٍ تقرؤُها-  بركةً،  ولا شىءَ أعظمُ بركةً من ذلك، لا شىء فى الدنيا أعظم بركةً من أن تأخذه ليدفع عنك الشر والفساد،  وليوافيك بالخير والإسعاد والإرشاد، وغير ذلك مما فيه البركة.

 

     فإذا علمْتَ ذلك أيها المؤمنُ الموقِنُ علمتَ كيف أنك بمجرد أنْ تقرأَ الآيةُ تتنزَّلُ عليك  بركتُها، فإذا ما تدبرتَ زادتْ  تلك البركةُ، فإذا ما عملْتَ بها زادت البركة أيضا؛ كما سنُشير إلى ذلك في قوله تعالى :{وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}

 

ويرى المتأمِّلُ في تلك الآيات أن  الآيات متدرجةٌ فى تحصيل هذه البركات كلها: 

أولا: البركة فى كل آيةٍ تقرؤها، وقد ورد حديث النبى فى هذا: «يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِى الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا » ([1])

 ثانيًا:  أنه – أي كتابَ الله تعالى-  بركةٌ مصدِّقٌ لما بين يديه ولِيُنْذَرَ به؛ قال تعالى: { وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى}؛   فهو بركة فى الدعوة والإنذار.

 ثالثًا:  هو بركة  فى التدبر الذى ينبنى عليه التذكُّر؛ قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ   لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}

 رابعًا: هو بركة فى العمل به؛ بأن يتبعه المرءُ ويتّقى ربّه به لتحصيل الرحمة ؛ { وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }  [الأنعام:155].

 

وسبب هذه البركة  في هذا الكتاب المعظّم لكونه كلامَ الله تعالى، فلمَّا كانت تلك  الآيات كلامَ الله تعالى كانت مباركةً؛ إذْ لا أبْرَكَ مِن أنْ تسمعَ الربَّ يتكلَّمُ سبحانه وتعالى، وأن تسمع الربَّ يأمرُ بالخير وينهَى عن الشَّرِّ..  أنْ تسمع كلامَ الرب فى الحِكمة والعمل الصالح.. أن تسمع كلام الرب فيما  يقصُّ عليك من القصص فى هذا القرآن، أو ما يعلمك فيه من تعاليم الدنيا والآخرة من أخبار القرون  الأولى التى تَهَبُ قلبَك الموعظةَ، وتحَْمِلُ نفسَك على الاستيقاظ إلى أمْره سبحانه وتعالى، وتمنَعُ نفسَك هواها وشيطانَها، وتُبيِّن لك سككها ومحاذيرها، وتُبيِّن لك أسباب الفوز والنجاة كما ذكر الله تعالى.

 

فكيف لا يكون  كتابهُ البركةَ كلَّها وهو كلامُه المنزَّل سبحانه وتعالى؟! لذلك قال: {لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ}

 

ونُفصِّل الآن في المعنيَيْن التاليَيْنِ إن شاء الله تعالى:

 

أولا: التدبُّر: 

والتدبر هو التفكر والتأمُّل الذي يبلغُ به صاحبُه معرفةَ الـمُراد من المعانى، وهو – أي التدبر- لا يكون إلا فى الكلام قليل اللفظ الذى يحتوى على معانٍ كثيرةٍ؛  ومعنى ذلك أنك كلما ازددت تدبراً، يعنى:  تأمُّلاً فى هذا الكلام وتفكُّراً فيه - انكشفتْ لك معانٍ  كثيرةٌلم تكن باديةً لك عند أول نظرة بادىءَ النظر - أو بادىَ الرأى؛  فهذا معنى {لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ}.

 

 وأقربُ هذه المعانى فى هذا السياق – على سبيل المثال-   هو قولُه: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا }؛  لو تدبّر المرءُ ذلك حمله على أن يعلمَ: لِمَ خُلِقَ؟  وكيف يُحقق ما خُلِقَ له؟  ويعلمَ الطريقَ الموصّل لأن يُحصِّل سعادتَه فى الدنيا والآخرة،  وليعلم كذلك كيف يحصل هذه البركة بهذا التأمل والتفكر،  وكيف يُحصِّل تلك المعانى المقصودة التى أودعها الربُّ كلامَه المبارَك؛ أى الـمُنبَثَّ فيه فى كل آيةٍ من  آياته الخيرُ والنماء الكثير؛ كما ذكرنا في معنى البركة.

 

و{لِيَدَّبَّرُوا} يعنى ليتدبّروا،  وأُدغمت التاء فى الدال تخفيفًا، وهى مأخذوةٌ من فِعل «دَبَرَ»؛ يعنى جاء فى دُبُره، يعنى جاء فى آخرتِه، فقوله: «قل فى دُبُر كل صلاة»؛ يعنى فى آخر كل صلاة.

 

فمعنى {لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ} إذن أن يتعقّب  المرءُ ظواهرَ هذه الكلام ليرى ما فى دُبرها من  المعانى،  يعنى أن يتتبع كلماتِ الله تعالى النازلةَ على قلبه حتى يُحصِّل منها تلك المعانىَ الـمَكنونةَ والتأويلاتِ اللائقةَ كما ذكر المولى جلَّ وعلا في قوله: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ}[النساء:82] وغيرِها مما يُشبهها من الآيات.

 

ومن إعجاز القرآن الكريم أنّ طبقات العلماء جميعاً قد توالت في تدبر هذا الكلام فلم تصل إلى شىء كبيرٍ من هذه المعانى المكنونة التى انبثت بتلك البركة فى كلام الله جلَّ وعلا، بل كلٌ حصَّل على حسب ما فتح الله تعالى عليه به، ولم يُحِطْ بهذا الكلام أحدٌ!

   

هذا المعنى الأول، والمعنى الثانى المطلوب  هو التذكر كما في قوله تعالى: {وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}.

 

ثانيًا التذكُّر:

 والتذكر هو  أن يَحْمل المرءُ الذِّهْنَ على استحضار ما كان يَعْلم. تقول: تذكرت الشىءَ الفلانىَّ؛ يعنى استحضرتَ فى ذهنك ما كنت تعلم قبل ذلك، فيدخل  فى هذا المعنى ما كنت ناسياً، ويدخل فيه أيضًا ما لا يجوز أن يغفل المرءُ عنه لكون العلم به من أهم المهمات.

 

{وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} يعنى وليتذكر أصحابُ العقول ما كانوا قد نسُوا من علمٍ فى هذا الكلام المبارك، أو ما غفلوا عنه من علم لا يجوز أن يغفل عنه المرء؛ من موعظةٍ تُوقظ فى قلبِه أوامرَ الله تعالى وتُقربه إليه.

فقد جاء القرآن {لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ يعنى: ليعود أولو الألباب إلى هذه المعانى التى غفلوا عنها، وقستْ قلوبهم بالبعد عن معرفتها، ولم يقوموا بما عليهم فيها من حقٍّ فى هذه الآيات الكريمات.

 

    وتلك الدعوة المطلوبة – أي دعوى التذكر – هي  التى يترقى بها المؤمن؛ لأنه قال: {وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ} [غافر:13]، وقال: {وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [غافر:54]، لذلك قصر اللهُ جلَّ وعلا التذكرَ فى كلامه على أصحاب العقول فقط.

 

 والتذكر مبنىٌّ على التدبر؛ قال تعالى{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ يعنى:  وليتذكر أولو الألباب آياتِه بعد تدبُّرهم لها.

 

كما دلّت الآية أنّ أولى الألباب هؤلاء هم المتدبِّرون، وهم المتذكرون. لذلك قال المولى جلَّ وعلا: لأنه {وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ} [غافر:13]، وقال: {وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [غافر:54]، وقال مُنكرًا عليهم : {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ}[المؤمنون،68]، وقال {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24]، وقال تعالى:{ سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} [الأعلى:10]، وقال: {طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى (2) إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [طه:1-3].

 

وهذه الآيات بها معانٍ كثيرة، ولو فصلنا القول فيها لطال المقام، لكنّ المقصود الذى ينبغي أن نعلمه هو:

أن يقرأ المرءُ القرآن ليُحصل الرحمةَ، والبركةَ بهذا التدبر والتذكر، بالتدبر يعنى  - كما ذكرنا-    يتتبع الألفاظ ليعرف ما وراءها من معانٍ، وبالتذكر يعنى  أن يستحضر  في ذهنه ما كان يعلمه فنسيه أو غفل عنه، ولم يكن على ذهنه وباله حاضراً،  ليرفع أمره، ويُعلى ذكره، ويبين حاله مع ربه، ويُصحح طريقَه ويرشد سيره ويقوى قلبه إلى آخر ما يكون سبباً لثبات المؤمنين،  وسبباً لوجود تلك الرحمة نازلة عليهم.

 فيرى المرء هنا من نفسه هذا  التقصير : أنه سمع عن أن للقرآن بركةً ورحمةً؛ وإذا به مقصر فى حق نفسه فلا يُحصِّل من هذه البركة ما يكون سبباً لأن تتنزل الرحمة عليه،   ولا يُحصِّل من هذه البركة تدبراً وتذكراً حتى يُحصِّل بها ذلك الخير فى عاجله وآجله.

وإذا كان المرء على هذا الحال فلا يُرجى منه بركة لغيره؛ فكيف لمن لم يُحصِّل بركة لنفسه أن يكون محلاً للبركة لإخوانه المؤمنين.

 

فإذا حصل المرء  كلام الله جلَّ وعلا فقد حصَّل تلك البركة فى القرآن الكريم،  فبارك الله في المرء، وبارك له، وباركه،  وبارك عليه، ووَجَدَ كل ما يتعلق بتلك البركة التى اختفت – أو كادتْ-  من أقوالنا وأعمالنا ودعوتنا، وغير ذلك مما يعانيه المرء من أمور الدنيا وأمور الآخرة.

 

  والذى دعانا إلى أن نقول كلّ ما سبق هو: جرِّب نفسَك مع بركة القرآن.

 


 

([1]) أخرجه أبو داود (1464)، و الترمذي (2914) وقال: حديث حسن صحيح، كلاهما  من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما مرفوعا.

 -إلى أعلى الصفحة-

 

تنبيه مهم:  هذه المقالة نقلها وتصرّف فيها  محُرِّرُ الموقع  اجتهادًا منه ونصحًا لإ خوانه  وبحسب ما أدى إليه فهمه واجتهاده،  لذا فإن أي خطأ يتحمله المحرر وحْدَه، وفضيلة الشيخ  الدكتور محمد الدبيسي عافاه الله تعالى  ليست له علاقة به،  والله الموفق.  اللهم ارزقنا العمل بما علمتنا واجعله حجة لنا لا علينا.

 

**************

بحث في الموقع بواسطة محرك البحث العملاق جوجل:

 

 

 آخر تحديث للصفحة: 29 شعبان 1432هـ، 30-7-2011

الحقوق الفكرية محفوظة لـ : فضيلة الشيخ محمد الدبيسي حفظه الله