فضيلة الشيخ الدكتور/ محمد الدبيسي حفظه الله
موقع غير رسمي يحتوي على المحاضرات الصوتية و كتب لفضيلة الشيخ

 

الصفحة الرئيسية / مقالات / مجموعة مقالات عن: حياة البرزخ، أو: عذاب القبر ونعيمه  / أحاديث في عذاب القبر ونعيمه وسؤال منكر ونكير عليهما السلام للاتعاظ والمبادرة بالتوبة وبالعمل الصالح:

 

 

 

ابحث داخل الموقع    

الرئيسية 

ترجمة الشيخ

ركن الصوتيات

مواعيد  الدروس

ركن الكتب

مختارات

ركن الملفات

ركن المقالات

إلي محرر الموقع

جديد الموقع

معلومات حول الموقع

 

 

 

 

 

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله؛ صلى الله عليه وسلم.

 برجاء قراءة هذه المقدمة عن هذه المجموعة من المقالات قبل قراءة هذه المقالة. كما أرجو أيضا قراءة هذا التنبيه في آخر الصفحة.

وكتبه محرر (مشرف) الموقع؛ محُِبّ.

-------------------------------------------------------------------------------

 

أحاديث في عذاب القبر ونعيمه وسؤال منكر ونكير عليهما السلام؛ للاتعاظ والمبادرة بالتوبة وبالعمل الصالح:  (1)

 

ما المقصود بـ "القبر" في قول العلماء : عذاب القبر أو نعيمه؟  وهل يقع هذا العذابُ على الميت ولو لمْ يُدفن في قبر؟

فتنة القبر : خطورتها، وتقديرُ الصحابة لشأنها

الْقَبْر أَوَّلُ مَنَازِلِ الآخرة؛ ومَا رَأَى النبي صلى الله عليه وسلم  مَنْظَراً قَطُّ؛ إِلاَّ وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ!

لولا أن لا نتدافن؛ لدعَا النبيُّ صلى الله عليه وسلم  ربَّه أن نسمع صوتَ عذاب أهل القبور

إنَّ الْمَوْتَى لَيُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ حَتَّى إِنَّ الْبَهَائِمَ لَتَسْمَعُ أَصْوَاتَهُمْ

أمثلة لبعض الذنوب التي يُعذَّب عليها عصاةُ المؤمنين في القبر للحذر منها -1: النميمة وعدم التنزُّه من البول

عرضُ مقعد العبد من الجنة أو النار غدوةً وعشيةً حتى يوم البعث

مقارنة بين نَعِيم المؤمن وعذاب الكافر في القبر،  ومَعنى "المعيشة الضنك" الواردة في آية سورة طه  -1

 

سؤالات فتنة القبر:

      السؤال الأول عن النبي صلى الله عليه وسلم

       تابع السؤال الأول عن النبي صلى الله عليه وسلم: بِهِ نُفتَنُ وعنه نُسأَلُ؛ صلى الله عليه وسلم، والعيشُ ثم الموتُ والبعث على اليقين  فيه وفي نُبوَّتِه والدينِ الذي جاء به

     تابع سؤالات فتنة القبر -3: السؤالُ الثاني والثالث: عن الربَّ والدينِ، والتثبيتُ الإلهي العظيم للذين آمنوا (1)

     تابع سؤالات فتنة القبر: تابع السؤالُ الثاني والثالث عن الربَّ والدينِ، والتثبيتُ الإلهي العظيم للذين آمنوا (2) :  مقارنة بين المؤمن الذي يُثبّته الله تعالى، وبين الكافر، وعاقبة كلٍّ منها في حياة البرزخ

      تابع سؤالات فتنة القبر: تابع التثبيتُ الإلهي العظيم للذين آمنوا (3) : قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا أَحَدٌ يَقُومُ عَلَيْهِ مَلَكٌ فِى يَدِهِ مِطْرَاقٌ إِلاَّ هُبِلَ عِنْدَ ذَلِكَ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ}»

 

 حديث البراء المهم في الروح ، وفي مسارها منذ الاحتضار وطلوعها حتى ردّها إلى جسد الميت لسؤال الملكين عليهما السلام

 

 

 

 

 

 

 

 

-------------------------------------------------------------------------------

 

ما المقصود بـ "القبر" في قول العلماء : عذاب القبر أو نعيمه؟  وهل يقع هذا العذابُ على الميت ولو لمْ يُدفن في قبر؟

 

الإجابة في هذا النص الذي نقلته لكم من أحد الكتب بتصرف:

"(باب إثبات عذاب القبر ) : قال في اللمعات:  المراد بالقبر هنا عالم  البرزخ، قال تعالى: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون:100]

 

وهو عالَمٌ بين الدنيا و  الآخرة ؛  له تعلُّقٌ بكل منهما، وليس المراد به الحفرة التي يُدْفَنُ فيها الميت، فرُبَّ ميتٍ لا يدفن - كالغريق والحريق والمأكول في بطن الحيوانات -يُعذب، ويُنعَّمُ، ويُسْألُ،

 

وإنما خُصَّ العذاب بالذكر للاهتمام، ولأن العذاب أكثر لكثرة الكفار والعصاة -انتهى.

 

قلت: حاصل ما قيل في بيان المراد من البرزخ أنه اسمٌ لانقطاع الحياة في هذا العالم المشهود، أي دار الدنيا، وابتداء حياة أخرى، فيبدأ شيء من العذاب أو النعيم بعد إنقطاع الحياة الدنيوية، فهو أول دار  الجزاء، ثم تُوفَّى كل نفس ما كسبت يوم القيامة عند دخولها في جهنم أو الجنة،

 

وإنما أُضيفََ عذابُ البرزخ ونعيمه إلى القبر لكون معظمه يقع فيه، ولكون الغالب على الموتى أن يُقبروا، وإلا فالكافر ومن شاء الله عذابه من العصاة يُعذب بعد موته ولو لم يُدْفَن، ولكن ذلك محجوبٌ عن الخلق إلا من شاءالله.

"

 

انتهى بتصرف يسير جدا من كتاب"مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح"، للشيخ عبيد الله المباركفوري رحمه الله تعالى.

 

-إلى أعلى الصفحة-

-------------------------------------------------------------------------------

 

 

 

فتنة القبر : خطورتها، وتقديرُ الصحابة لشأنها:

 

***/

 

تنبيه : "فتنة القبر" المقصود بها:  سُؤَال الْمَلَكَيْنِ؛ وهما: مُنكرٍ ونكيرٍ عليهما السلام؛ لاختبار الميِّتِ في قبره، فالفتنة هنا معناها "الاختبار والامتحان"، ولكن سيترتب على هذا الاختبار أمورٌ عظيمة للميِّت  إن شاء الله تعالى.

 

تنبيه: أدخلَ "بعضُ العلماء" في تعريف "فتنة القبر" ما قد يترتب عليه من عذاب  القبر لـمَن يستحقه. ولكن المختار عند طائفة من العلماء  أن عذاب القبر ليس داخلا في المراد من "فتنة القبر" ، بل عذاب القبر أو نعيمه هو نتيجة ذلك الاختيار العظيم. وذلك هو المختارُ.

 

****/

 

 

عن أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ - رضى الله عنهما – قالت:

 

قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ الْفِتْنَةَ الَّتِى يُفْتَنُ بِهَا الْمَرْءُ فِى قَبْرِهِ،

 

فَلَمَّا ذَكَرَ ذَلِكَ ضَجَّ الْمُسْلِمُونَ ضَجَّةً؛ حَالَتْ بَيْنِى وَبَيْنَ أَنْ أَفْهَمَ كَلاَمَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم!

 

فَلَمَّا سَكَنَتْ ضَجَّتُهُمْ، قُلْتُ لِرَجُلٍ قَرِيبٍ مِنِّى: أَىْ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ؛ مَاذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى آخِرِ قَوْلِهِ؟

 

قَالَ: «قَدْ أُوحِىَ إِلَىَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِى الْقُبُورِ قَرِيبًا مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ»

 

****/

 

أخرجه النسائي (2062)، وصحَّحه الألباني في صحيح النسائي، ورواه البخاري بنحوه  مختصرًا  من قول أسماء رضي الله عنها حتى قولها "ضجة" (1373).

 

***/

 

(ضَجَّ الْمُسْلِمُونَ) ، أَيْ: صَاحُوا وَجَزِعُوا (ضَجَّةً) : والتَّنْوِينُ لِلتَّعْظِيمِ من شأن هذه الضجة.

 

(قَرِيبًا مِنْ فِتْنَة الدَّجَّال) :قَالَ الْكَرْمَانِيّ:  وَجْه الشَّبَه بَيْن الْفِتْنَتَيْنِ: الشِّدَّة، وَالْهَوْل، وَالْعُمُوم.

 

 

(تُفْتَنُونَ) : أَيْ تُمْتَحَنُونَ (فِي الْقُبُورِ  قريبًا) : أَيِ افْتِنَانًا قَرِيبًا (مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ) . وَقَالَ الطِّيبِيُّ ما حاصِله: أَيْ: فِتْنَةً قَرِيبَةً؛ أَيْ عَظِيمَةً؛ إِذْ لَيْسَ فِي الْفِتَنِ  أَعْظَمُ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ. انتهى.

 

انظر بتصرف: مرقاة المفاتيح، تحفة  الأحوذي.

 

***/

 

موعظة لنفسي: تأمّلي يا نفسي وصَفَ النبي صلى الله عليه وسلم قتنةَ القبر بقربها من فتنة الدجال التي هي من أعظم الفتن،

 وتأمَّي أيضا أيضًا كيف ضجَّ الصحابة رضي الله عنهم  من ذكر هذه الفتنة لخطرها العظيم ، ثم َّ قارني  بين إحساسك عند سماع هذا الحدييث الخطير وبين إحساس الصحابة بذلك ، ثم اشتكِي إلى الله تعالى قسوةَ قلبك، وغفلتَه عن الله تعالى وأمور الآخرة!

اللهم لطفَك وغفرانَك. آمين.

 

 

-إلى أعلى الصفحة-

-------------------------------------------------------------------------------

 

 

 

الْقَبْر أَوَّلُ مَنَازِلِ الآخرة؛ ومَا رَأَى النبي صلى الله عليه وسلم  مَنْظَراً قَطُّ؛ إِلاَّ وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ!

 

****/

 

عن هَانِئٍ مَوْلَى عُثْمَانَ بن عفان رضي الله عنه قَالَ:

 

كَانَ عُثْمَانُ إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ بَكَى حتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ، فَقِيلَ لَهُ:  تُذْكَرُ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلاَ تَبْكِ، وَتَبْكِى مِنْ هَذَا؟!!

 

 

فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:

 

«إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ  الآخِرَةِ: فَإِنْ نَجَا مِنْهُ؛ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ؛ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ» .

 

قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

 

«مَا رَأَيْتُ مَنْظَراً قَطُّ؛ إِلاَّ وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ» .

 

 

أخرجه الترمذي  (2308) وقال: (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ)، وابن ماجه (4267) وحسّنه الحافظ ابن حجر كما في الفتوحات الربانية، و الألباني في صحيح الترمذي و صحيح ابن ماجه .

 

***/

 

شرح موجز للحديث:

 

 

(إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ) : وَمِنْ تلك منازل الآخرة: عُرْضَةُ الْقِيَامَةِ عِنْدَ الْعَرْضِ، وَمِنْهَا الْوُقُوفُ عِنْدَ الْمِيزَانِ،

 وَمِنْهَا الْمُرُورُ عَلَى الصِّرَاطِ، وَمِنْهَا الْجَنَّةُ أَوْ النَّارُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَمنها أيضا القبر الذي هو أيضا آخِرُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الدُّنْيَا كما هو أول منزل من منازل الآخرة؛  وَلِذَا يُسَمَّى: الْبَرْزَخُ.

والبرزخ في اللغة هو: "ما بين كلِّ شَيئينِ . وفي الصحاح : الحاجزُ بين الشَّيئينِ . والبَرْزَخ : ما بين الدُّنيا والآخِرَةِ قبْلَ الحشرْ مِنْ وَقْتِ الموْتِ إِلى القيَامَة . وقال الفرّاءُ : البَرزَخ مِنْ يَوم يموتُ إِلى يَوم يُبعَثِ . ومَنْ ماتَ فقدْ دَخَلَه؛ أَي البَرْزخَ" . انتهى من تاج العروس للزَّبيدي، مادة:  (ب ر ز خ).

 

 

(فَإِنْ نَجَا) أَيْ خُلِّصَ الْمَقْبُورُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ؛ (فَمَا بَعْدَهُ) أَيْ مِنْ الْمَنَازِلِ (أَيْسَرُ مِنْهُ) أَيْ أَسْهَلُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ ذَنْبٌ لَكُفِّرَ بِعَذَابِ الْقَبْرِ،

 

 

(وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ) أَيْ لَمْ يَتَخَلَّصْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَلَمْ يُكَفِّرْ ذُنُوبَهُ بِهِ وَبَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا يَسْتَحِقُّ الْعَذَابَ بِهِ ؛ (فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ) لِأَنَّ النَّارَ أَشَدُّ الْعَذَابِ، وَالْقَبْر حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النِّيرَانِ.

 

 

وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَا رَأَيْتُ مَنْظَراً قَطُّ؛ إِلاَّ وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ) : أفظعُ:أي أقْبحُ وأشْنعُ،

 

قال الطيبي : "الواو" للحال، والاستثناءُ مفرَّغٌ؛ أي: ما رأيتُ منظرًا وهو ذو هَوْلٍ وفظاعةٍ إلا والقبر أفظع منه. انتهى

 

 

 وإنما كان  القبرُ فظيعًا لأنه بيتُ الدُّودِ، والوحْدةِ، والغُرْبة؛ ولهذا كان يزيد الرقاشي  رحمه الله تعالى إذا مرَّ بقبرٍ؛ صرَخَ صراخَ الثُّورِ.

 

وقال بعضهم: وَإِنَّمَا كَانَ أَفْظَعَ لِأَنَّهُ :

 

1-  مُقَدِّمَةُ الْعِقَابِ،

 

2-  وَنِهَايَةُ التَّعَلُّقِ بِالْمَالِ وَالْوَلَدِ وَالْأَصْحَابِ،

 

3- وَغَايَةُ الرُّجُوعِ إِلَى مَوْضِعِ الذُّلِّ وَالظُّلْمَةِ وَالدَّهْشَةِ وَالْحَيْرَةِ وَالْوَحْشَةِ وَالْغُرْبَةِ وَالدُّودِ وَالتُّرَابِ،

 

4- وَمُطَالَعَةِ مَلَائِكَةِ الْعَذَابِ،

 

5- وَمُشَاهَدَةِ الْحِسَابِ، وَمُرَاقَبَةِ الْحِجَابِ حَيْثُ لَا يَنْفَعُهُ إِلَّا رَبُّ الْأَرْبَابِ.

 

****/

 

انظر بتصرف كثير: تحفة الأحوذي للمباركفوري، فيض القدير للمناوي، ومرقاة المفاتيح للقاري.

 

***/

 

رب نعوذ بك من عذاب القبر، ومن فتنة القبر، اللهم ثبّتنا يا رب العالمين.

 

 

اللهم تٌبْ علينا من جميع الذنوب والمعاصي وأحْسِنْ ختامَنا يا كريم.  آمين.

 

 

-إلى أعلى الصفحة-

 

-------------------------------------------------------------------------------

 

لولا أن لا نتدافن؛ لدعَا النبيُّ صلى الله عليه وسلم  ربَّه أن نسمع صوتَ عذاب أهل القبور:

 

 

عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه  أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:

 

«لَوْلاَ أَنْ لاَ تَدَافَنُوا؛ لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ»

 

أخرجه الإمام مسلم في صحيحه (2868)

 

وفي حديث آخر أطول من هذا  عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه ؛ وفيه:

 

قَالَ صلى الله عليه وسلم:

 

«إِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ تُبْتَلَى فِى قُبُورِهَا، فَلَوْلاَ أَنْ لاَ تَدَافَنُوا؛ لَدَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِى أَسْمَعُ مِنْهُ»

 

أخرجه أيضا الإمام مسلم في صحيحه (2867)

 

****/

 

شرح موجز للحديث:

 

(فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ) ، أَيْ: جَنْسَ الْإِنْسَانِ، وقيل غير ذلك.

 

(فَلَوْلاَ أَنْ لاَ تَدَافَنُوا) : أي لو إِنَّكُمْ لَوْ سَمِعْتُمْ ذَلِكَ؛ لتَرَكْتُمُ التَّدَافُنَ مِنْ خَوْفِ قَلْعِ صِيَاحِ الْمَوْتَى أَفْئِدَتَكُمْ،  أو من خوف عذاب القبر،

 

أَوْ لتركتم التدافن من خَوْفِ الْفَضِيحَةِ فِي الْقَرَائِبِ لِئَلَّا يُطَّلع عَلَى أَحْوَالِهِمْ،

 

وقيل: "لا" هنا زائدة، والمعنى:  لولا أن تموتوا من سماع عذاب القبر لتركتم التدافن؛ فإن القلوب لا تطيق سماعه؛ فيصعق الإنسان لوقته؛ فكُنِّىَ عن الموت بـ "التدافن"،  ويرشد إليه قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: "لو سمعها الإنسانُ لصُعِق"؛ أي: ماتَ.

 

وهذا نصّ الحديث كاملا للاتعاظ:

 

عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ - رضى الله عنه – يَقُولُ: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

 «إِذَا وُضِعَتِ الْجَنَازَةُ فَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ ،

 

 فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً؛ قَالَتْ: قَدِّمُونِى؛ قَدِّمُونِى.

 

 وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ؛ قَالَتْ: يَا وَيْلَهَا؛ أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا؟!

 

يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَىْءٍ إِلاَّ الإِنْسَانَ؛ وَلَوْ سَمِعَهَا الإِنْسَانُ لَصَعِقَ».

 

 أخرجه  الإمام البخاري في صحيحه (1380)

 

***/

 

يا إلهي: شناعة صوت عذاب القبور يجعل بني آدم لا يتدافنوا، أو يموتوا من الخوف؛ فما بالك أخي الحبيب بالعذاب نفسه؟!!

رب نعوذ بك من فتنة القبر، ومن عذاب القبر، ومن فتنة النار والمسيخ الدجال،  ونعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وتب علينا يا كريم. آمين.

فهذه موعظةٌ لنفسي أولا ثم لكل نفس تعصي اللهَ تعالى.

 

 

 

-إلى أعلى الصفحة-

 

-------------------------------------------------------------------------------

 

إنَّ الْمَوْتَى لَيُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ حَتَّى إِنَّ الْبَهَائِمَ لَتَسْمَعُ أَصْوَاتَهُمْ:

 

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه :عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

 

«إِنَّ الْمَوْتَى لَيُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ؛ حَتَّى إِنَّ الْبَهَائِمَ لَتَسْمَعُ أَصْوَاتَهُمْ».

 

***/

 

أخرجه الطبراني في الكبير، وحسّن إسنادَه كلٌ من المنذري في الترغيب، و والمناوي في التيسير بشرح الجامع، و الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3548)

 

***/

 

شرح موجز للحديث:

 

 

(إِنَّ الْمَوْتَى لَيُعَذَّبُون) أي مَن يستحق العذابَ منهم (في قبورهم) فيه شمولٌ للكفارِ، ولعصاةِ المؤمنين (حتى إن البهائم) جمع بهيمة؛ والمراد بها هنا ما يشمل الطيرَ

 

(لتسمع أصواتهَم) وخُصُّوا بذلك دُونَنا لأن لهم قوة يَثْبتُون بها عند سماعه بخلاف الإنس، أو لعدم إدراكهم لشدّة كرب الموت؛ فلا ينزعجون بخلافنا.

 

 وصياحُ الميت بالقبر عقوبةٌ معروفة، وقد وقعتْ في الأمم السالفة.

 

قال المناوي:  (وقد تظاهرت الدلائلُ من الكتاب والسُّنَّة على ثبوت عذاب القبر، وأجمع عليه أهلُ السنّة،  وصحَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم سمعَه، بل سمعَه آحادٌ من الناس.

 

قال الدماميني رحمه الله: وقد كثُرتِ الأحاديثُ فيه حتى قال غيرُ واحد: إنها متواترةٌ؛ لا يصح عليها التواطؤُ؛ وإنْ لم يصحّ مثلها لم يصح شيءٌ مِن أمْر الدين!!.

 

***/

 

انظر بتصرف واختصار: فيض القدير، وتيسير الجامع  لمحمد عبد الرؤوف المناوي رحمه الله تعالى.

 

وللأسف أخي الحبيب تجد بعض عُتاةِ العلمانية والإلحاد وأصحاب الشبهات في عصرنا الحالي يَنفون عذابَ القبر ونعيمَه بعقولهم القاصرة مع أن هذا الأمر شأنه كشأن غيره من الأمور الغيبيبة الدينية مرجعه إلى الكتاب والسُنّة ، 

وليس مرجعه  إلى العقل البشريِّ القاصر الذي غابت عنه كثيرٌ من الحقائق الكونية،  ولم يظهر له بعضٌ قليلٌ جدا منها  إلا في القرن العشرين.

 

***/

 

موعظةٌ من الحديث: إذا كان عصاة المؤمنين سُيعذَّبون في القبر ببعض الذنوب – وليس فقط الكفار سيُعذَّبون – أفلا نُبادر إذًا بالتوبة إلى  الله تعالى من الذنوب كلِّها قبل أن لا ينفع الندمُ ؟!

 

 

-إلى أعلى الصفحة-

 

-------------------------------------------------------------------------------

 

أمثلة لبعض الذنوب التي يُعذَّب عليها عصاةُ المؤمنين في القبر للحذر منها -1: النميمة وعدم التنزُّه من البول :

 

عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ:

 

خَرَجَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَعْضِ حِيطَانِ الْمَدِينَةِ، فَسَمِعَ صَوْتَ إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ فِى قُبُورِهِمَا، فَقَالَ:

 

« يُعَذَّبَانِ؛ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِى كَبِيرٍ، وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ:

 

كَانَ أَحَدُهُمَا لاَ يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ، وَكَانَ الآخَرُ يَمْشِى بِالنَّمِيمَةِ».

 

**/

 

أخرجه البخاري في صحيحه (6055) في كتاب الأدب، باب: «النميمة من الكبائر»، وأخرج الإمامُ مسلم أصلَ الحديث بنحوِه في صحيحه (292). وللحديث ألفاظ وروايات أخرى.

 

***/

 

ذكرنا في الفقرة السابقة  أنه ليس فقط الكفار  سيُعذّبون في القبر؛ ولكن بعض الذنوب يُعاقب عليها عصاةُ المؤمنين بعذابٍ في القبر.

 

ومن هذه الذنوب كما ورد في هذا الحديث: عدمُ الاستتار – أي عدم التوقِّي - من البول،  والنميمة.

 

معنى النميمة:

 

النَّمِيمَة هي  نَقْل كَلَامِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ عَلَى جِهَةِ الْإِفْسَادِ بَيْنهمْ . فالنمامُ يُفسد ما أصلحَ الله تعالى بين المؤمنين ، ويعمد إلى الوصلة التى وصلهم الله تعالى بها فيحلّ عُقدها، حتى تتولَّد عداوةٌ وبغضاء بينهم.

 

 فهذا الفعل - أي النميمة- تُؤدِّى إلى فسادٍ عظيم، وتُفْضى إلى الشرور كلها. ولذلك قال عليه السلام كما في صحيح مسلم: «لا يدخل الجنة نمام»؛  لأن النمام هو  جندى الشيطان وجاسوسه؛ يُحرِّش ويُغرى حتى يفرق ما جمعه بين المؤمنين من الأُخوَّة؛ فقد قال تعالى:

 

{إنَّمَا المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ} [الحجرات: 10] ،

 

 وقال: {أذِلَّةٍ عَلَى المُؤمِنينَ أعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرينَ} [المائدة: 54] ،

 

وقال: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]

 

****/

 

فتأمّل أخي الحبيب  الخائف على نفسه من عذاب القبر ومن عدم دخول الجنة هذا الذنبَ العظيمَ الذي استهان به كثيرٌ من الناس إلا من رحم ربي؛ قيقعون في كثيرٍ من النميمة ،

 

بل الأدهَى من ذلك ما يحدث في مصر منذ شهور ليلًا ونهارًا  في وسائل الإعلام المختلفة من نميمةٍ وشيطنةٍ للآخر؛ حتى وقعت البغضاءُ والفساد بين كثيرٍ من طوائف المجتمع، بل  أوشكوا أن يُقاتل بعضهم بعضًا، بل فعلها بعضهم!

 

ولو كانت النميمة لإيقاع البغضاء بين اثنين فقط لكانت كبيرة؛ فما بالك بالذي يُوقع البغضاءَ والعداوةَ بين طوائف كبيرة من المسلمين؟!!

فهل من توبة جماعية  قبل فوات الأوان؟

 

هل يستطيع أن يتحمّل أحدنا عذاب القبر  لو لم نتب من النميمة؟

 

اللهم نعوذ بك من عذاب القبر، ومن كل ذنب يُوصِّل إليه.  آمين.

 

****/

 

للمزيد عن النميمة: برجاء قراءة هذه المقالة ، وإنْ شاء الله تعالى سنذكر لاحقا في هذه المقالة - أو في مقالة مستقلة - الذنوبَ الأخرى التي يُعذَّب عليها عصاةُ المؤمنين في القبر لخطورتها ولتحذير نفسي ثم إخواني الأحباء منها. والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم العزيز الحكيم.

 

 

-إلى أعلى الصفحة-

 

-------------------------------------------------------------------------------

 

عرضُ مقعد العبد من الجنة أو النار غدوةً وعشيةً حتى يوم البعث:

 

 

عَنِ ابْنِ عُمَرَ  رضي الله عنهما  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:

 

«إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِىِّ:

 

إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؛ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ،

 

وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ؛ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ،

 

يُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .

 

**/

 

متفق عليه: [ البخاري (1379) ، و مسلم (2866) ]

 

***/

 

 

شرح بعض عبارات الحديث:

 

(إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ) ، أَيْ: أُظْهِرَ لَهُ مَحلُّ قعوده من الجنة أو النار بأن تعاد الروح إلى بدنه أو بعضه،

 

(بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ) ، أَيْ: طَرَفَيِ النَّهَارِ،

 

(إِنْ كَانَ) أَيِ: الْمَيِّتُ (مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ؛ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ) ، أَيْ فَمَقْعَدُهُ مِنْ مَقَاعِدِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يُعْرَضُ عَلَيْهِ  (وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ)

 

(فَيُقَالُ)  أَيْ: لِكُلٍّ مِنْهُمَا (هَذَا)  أَيِ: الْمَقْعَدُ الْمَعْرُوضُ عَلَيْكَ (مَقْعَدُكَ) الَّذِي أَنْتَ مُسْتَقِرٌّ وَمُسْتَمِرٌّ فِي نَعِيمِ عَرْضِهِ أَوْ  في جَحِيمِهِ (حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ إِلَيْهِ).

 

والضَّمِيرُ  يعود  في قوله صلى الله عليه وسلم "إليه" إلى المقعد،   وَالْمَعْنَى: حَتَّى يَبْعَثَك اللَّهُ إِلَى ذَلِكَ الْمَقْعَدِ، فَتَرَى عِنْدَ ذَلِكَ كَرَامَةً،  أَوْ هَوَانًا؛ تَنْسَى عِنْدَهُ هَذَا الْمَقْعَدَ.

ويُحتمل أن يعود الضميرُ  إلى  الله تعالى، فَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ.

 

***/

فائدة اعتقادية:

 

في هذا الحديث إثباتُ عذاب القبر ونعيمه، وأن الرُّوح لا تفنى  بالموت.

 

***/

 

انظر بتصرف: التيسير بشرح الجامع للمناوي ، مرقاة المفاتيح لعلي القاري، فتح الباري لابن حجر.

 

*****/

 

موعظة من الحديث:

مَن منّا اليوم يعملُ  حسابًا لهذه  الدار الثانية بعد دار الحياة الدنيا؛ وهي دار البرزخ؛  إلا مَن رحم ربي تعالى؛  فعمِلَ الصالحاتِ والمستحبات، واجتنبَ المحرَّماتِ والمكروهاتِ؛ ففاز في الدُّور الثالثة: دارِ الحياة الدنيا، ودارِ حياة البرزخ (عذاب القبر أو نعيمه)، ودارِ الحياة الآخرة (الجنة أو النار).

 

 اللهم اجعلنا من هؤلاء الفائزين.

 

اللهم اجعلْ قبورنا روضةً من رياض الجنة، ولا تجعلها حفرة من حُفر النيران. آمين

 

 

 

-إلى أعلى الصفحة-

-------------------------------------------------------------------------------

 

مقارنة بين نَعِيم المؤمن وعذاب الكافر في القبر،  ومَعنى "المعيشة الضنك" الواردة في آية سورة طه  -1:

 

 

 

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : 

 

«إِنَّ الْمُؤْمِنَ فِي قَبْرِهِ لَفِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ، وَيُرْحَبُ لَهُ قَبْرُهُ سَبْعُونَ ذِرَاعًا، وَيُنَوَّرُ لَهُ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ.

 

أَتَدْرُونَ فِيمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ : {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}  ؟

 

أَتَدْرُونَ مَا الْمَعِيشَةُ الضَّنْكَةُ؟ »

 

قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.

 

قَالَ : «عَذَابُ الْكَافِرِ فِي قَبْرِهِ؛  وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنَّهُ يُسَلَّطَ عَلَيْهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ تِنِّينًا،

 

أَتَدْرُونَ مَا التِّنِّينُ ؟ سَبْعُونَ حَيَّةً، لِكُلِّ حَيَّةٍ سَبْعُ رُؤُوسٍ يِلْسَعُونَهُ وَيَخْدِشُونَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».

 

****/

 

أخرجه  ابن حبان في صحيحه (7/391 وحسّن الشيخ شعيبُ إسنادَه في التحقيق)، وأبو يعلى في مسنده  بنحوه (11/521، وحسّن أيضا الشيخُ حسين سليم أسد إسنادَه في التحقيق)، وحسّنه الشيخُ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3552).

 

****/

 

فاللهم ارزقنا اليقين واختِمْ لنا بالإسلام وأحْيِنَا وأمِتْنا عليه وعلى الإيمان يا رب.  

اللهم اجعلْ قبورنا روضةً خضراء، وأفسِح لنا سبعين ذراعًا، ونوِّرها لنا يا رب.  آمين.

 

-إلى أعلى الصفحة-

-------------------------------------------------------------------------------

 

سؤالات فتنة القبر -1: السؤال الأول: عن النبي صلى الله عليه وسلم.

 

 

ذكرنا في فقرة سابقة كيف كان استقبال الصحابة رضي الله عنهم وضجيجهم عندما أعلمَهم الرسول صلى الله عليه وسلم  بأنهم سيُفتنَون  - أي سيُختَبرون ويُمتحنون ويُسأَلون – في قبورهم، ولكن ما هي هذه الاسئلة؟

 

الإجابة: يسأُل العبد عدة أسئلة، ولعل ّ من أهم هذه الاسئلة هو السؤال عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنّ المسئولَ لو لم يكن  يعلم الإجابة على هذا السؤال فلن يعلم الإحابة على باقي الاسئلة الأخرى. وفيما يلي الحديث التالي:

 

عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه - أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:

 

«إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِى قَبْرِهِ - وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ   وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ - ؛

 

أَتَاهُ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ، فَيَقُولاَنِ:  مَا كُنْتَ تَقُولُ فِى الرَّجُلِ - لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم؟

 

فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ:  أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ .

 

فَيُقَالُ لَهُ:  "انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ؛ قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَداً مِنَ الْجَنَّةِ ".

 

فَيَرَاهُمَا جَمِيعاً».

 

قَالَ قَتَادَةُ:  وَذُكِرَ لَنَا: أَنَّهُ يُفْسَحُ فِى قَبْرِهِ . ثُمَّ رَجَعَ – أي قتادةُ-  إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ؛ قَالَ:

 

«وَأَمَّا الْمُنَافِقُ وَالْكَافِرُ؛ فَيُقَالُ لَهُ:  مَا كُنْتَ تَقُولُ فِى هَذَا الرَّجُلِ؟

 

فَيَقُولُ: "لاَ أَدْرِى؛ كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ".

 

فَيُقَالُ: "لاَ دَرَيْتَ،  وَلاَ تَلَيْتَ".

 

وَيُضْرَبُ بِمَطَارِقَ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً؛  فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ، غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ» .

 

أخرجه الإمام البخاري في صحيحه : (1374)

 

***/

 

شرح بعض كلمات الحديث:

 

 

(لادريتَ) أي لا علمتَ ما هو الحقَّ والصواب (ولا تليتَ) أصله تلوت - بالواو ، والمحدثون إنما يروونه بالياء للازدواج ، أي لا علمت بالنظر والاستدلال العقلي ، ولا قرأت القرآن لتعلمه منه بالدليل النقلي.  وقيل : معناه ولا اتبعتَ مَنْ يدري.

 

(ويُضرب بمطارق) من الطرق - وهو الضرب ، والمطرقةُ هي  آلة الضرب (ضربةً) أي "بين أذنيه" كما ورد في روايةٍ  (فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَن يليه) من الدواب والملائكة  (غيرَ الثقلَينِ) أي غيرَ الجنِّ والإنسِ،

 

***/

وَفِي هذا الحديث  مِنْ الْفَوَائِد :

 

1-    إِثْبَات عَذَاب الْقَبْر ،

 

2-    وَأَنَّهُ – أي عذاب القبر - وَاقِعٌ عَلَى الْكُفَّار، وَ على مَنْ شَاءَ اللَّه مِنْ الْمُوَحِّدِينَ .

 

 

3-    مسألة:  هَلْ يَخْتَصّ ب عذاب القبر بِهَذِهِ الْأُمَّة، أَمْ وَقَعَ عَلَى الْأُمَم قَبْلهَا ؟

 

فيه خلافٌ؛ جَنَحَ الإمام اِبْن الْقَيِّم إِلَى الثَّانِي – بأن عذاب القبر وقعَ على الأُمم السابقة-  وَقَالَ : لَيْسَ فِي الْأَحَادِيث – أي الأحاديث التي استدلّ بها القائلون بأن عذاب القبر مختص بهذه الأُمّة فقط -  مَا يَنْفِي الْمَسْأَلَة عَمَّنْ تَقَدَّمَ مِنْ الْأُمَم، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّته بِكَيْفِيَّةِ اِمْتِحَانهمْ فِي الْقُبُور لَا أَنَّهُ نَفَى ذَلِكَ عَنْ غَيْرهمْ ،

قَالَ : وَاَلَّذِي يَظْهَرُ:  أَنَّ كُلّ نَبِيّ مَعَ أُمَّته كَذَلِكَ ، فَتُعَذَّب كُفَّارهمْ فِي قُبُورهمْ بَعْد سُؤَالهمْ وَإِقَامَة الْحُجَّة عَلَيْهِمْ؛ كَمَا يُعَذَّبُونَ فِي الْآخِرَة بَعْد السُّؤَال وَإِقَامَة الْحُجَّة.

 

4-    وَفِي الحديث أيضا من الفوائد:  ذَمّ التَّقْلِيد فِي الِاعْتِقَادَات الفاسدة كما دل الحديث على مُعَاقَبَةِ مَنْ قَالَ : "كُنْت أَسْمَع النَّاس يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُه" .

 

وفي الحديث من الفوائد ما لا يتسع له هذا المُقام؛ وهذه الفوائد منقولة بتصرف كثير واختصار من فتح الباري للحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى.

 

*****/

 

انظر بتصرف: فتح الباري للحافظ ابن حجر، و مرعاة المفاتيح للمباركفوري، ومرقاة المفاتيح لعلي القاري.

 

-إلى أعلى الصفحة-

-------------------------------------------------------------------------------

 

تابع سؤالات فتنة القبر -2: تابع السؤال الأول عن النبي صلى الله عليه وسلم: بِهِ نُفتَنُ وعنه نُسأَلُ؛ صلى الله عليه وسلم، والعيشُ ثم الموتُ والبعث على اليقين  فيه وفي نُبوَّتِه والدينِ الذي جاء به 

 

عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم :

 

«فَأَمَّا فِتْنَةُ الْقَبْرِ: فَبِى تُفْتَنُونَ، وَعَنِّى تُسْأَلُونَ:

 

فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ: أُجْلِسَ فِى قَبْرِهِ،  غَيْرَ فَزِعٍ،  وَلاَ مَشْعُوفٍ،

 

ثُمَّ يُقَالُ لَهُ:  فِيمَ كُنْتَ؟  فَيَقُولُ: فِى الإِسْلاَمِ.

 

 

فَيُقَالُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِى كَانَ فِيكُمْ؟

 

فَيَقُولُ: "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ جَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ فَصَدَّقْنَاهُ".

 

فَيُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةٌ قِبَلَ النَّارِ، فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا؛ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضاً؛ فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَا وَقَاكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ؟

 

ثُمَّ يُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةٌ إِلَى الْجَنَّةِ، فَيَنْظُرُ إِلَى زَهْرَتِهَا وَمَا فِيهَا، فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا مَقْعَدُكَ مِنْهَا.

 

 

 

وَيُقَالُ: "عَلَى الْيَقِينِ كُنْتَ، وَعَلَيْهِ مِتَّ، وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ".

 

 

وَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ السَّوْءُ: أُجْلِسَ فِى قَبْرِهِ؛ فَزِعاً؛ مَشْعُوفاً.

 

فَيُقَالُ لَهُ: فِيمَ كُنْتَ؟  فَيَقُولُ: لاَ أَدْرِى.

 

فَيُقَالُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِى كَانَ فِيكُمْ؟

 

فَيَقُولُ: "سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ قَوْلاً، فَقُلْتُ كَمَا قَالُوا" .

 

 

 

فَتُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةٌ قِبَلَ الْجَنَّةِ، فَيَنْظُرُ إِلَى زَهْرَتِهَا وَمَا فِيهَا، فَيُقَالُ لَهُ: "انْظُرْ إِلَى مَا صَرَفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْكَ".

 

ثُمَّ يُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةٌ قِبَلَ النَّارِ، فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا؛ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضاً،

 

 

 

وَيُقَالُ لَهُ: "هَذَا مَقْعَدُكَ مِنْهَا.  كُنْتَ عَلَى الشَّكِّ، وَعَلَيْهِ مِتَّ، وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ" .

 

ثُمَّ يُعَذَّبُ» .

 

*****/

 

أخرجه الإمام أحمدُ في مسنده (6/139، وقال الشيخ شعيب في تحقيق المسند: إسنادُه صحيح على شرط الشيخين) ، وقال أيضًا المنذري في الترغيب: (رواه أحمد بإسناد صحيح)، وصحَّحه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: (3557)

 

***/

 

معاني بعض الكلمات:

 

قوله : (فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ: أُجْلِسَ فِى قَبْرِهِ،  غَيْرَ فَزِعٍ،  وَلاَ مَشْعُوفٍ) المشعوف: هو الذي أُصِيبَتْ شَعفةُ قلبِه - أي رأسُ قلبِه - بحبٍّ أو ذعرٍ أو جنونٍ. والمراد بالمشعوف هاهنا: المذعور، أو الذي أصابه شبهُ الجنونِ من فرط الفزع، والقلق، والحسرة. انتهى بتصرف من الفائق.

 

*/

 

قوله: (فَيُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةٌ قِبَلَ النَّارِ، فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا؛ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضاً) : الْحَطْمُ: الْحَبْسُ فِي الْمَوْضِعِ الْمُتَضَايِقِ الَّذِي يَتَحَطَّمُ فِيهِ الْخَيْلُ، أَيْ: يَدُوسُ بَعْضُهَا بَعْضًا،

وَالْمَعْنَى: يَكْسِرُ وَيَغْلِبُ وَيَأْكُلُ بَعْضُ النارِ بَعْضًا؛ لِشِدَّةٍ تَلَهُّبِهَا وَكَثْرَةِ وَقُودِهَا.

 

 

(فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَا وَقَاكَ اللَّهُ) ، أَيْ: حَفِظَكَ بِحِفْظِهِ تَعَالَى إِيَّاكَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي الَّتِي تَجُرُّ إِلَى النَّارِ.

 

 

قوله: (ثُمَّ يُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةٌ إِلَى الْجَنَّةِ، فَيَنْظُرُ إِلَى زَهْرَتِهَا) أَيْ  ينظر إلى حُسْنِهَا وَبَهْجَتِهَا

 

 

(وَمَا فِيهَا) أي وما في الجنة  مِنَ الْحُورِ، وَالْقُصُورِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الْخَيْرِ الْكَثِيرِ، وَالْمُلْكِ الْكَبِيرِ. (فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا مَقْعَدُكَ مِنْهَا).

 

*/

 

(وَيُقَالُ: "عَلَى الْيَقِينِ كُنْتَ) هذه الجُمْلَة مُتَضَمِّنَةٌ لِلتَّعْلِيلِ، أَيْ: هَذَا مَقْعَدُكَ من الجنة؛ لِأَنَّكَ كُنْتَ فِي الدُّنْيَا عَلَى الْيَقِينِ فِي أَمْرِ الدِّينِ،

 

  (وَعَلَيْهِ مُتَّ) هذا يدل على أن من كان على اليقين في الدنيا؛ يموت عليه عادةً ، وكذا في جانب الشك في حق الرجل السوء كما في آخر الحديث ،

 

(وعليه تُبعثُ) يعني كما تعيشُ؛ تموتُ ، وكما تموتُ؛ تُحْشَرُ (إن شاءالله تعالى).

 

 

***/

 

انظر بتصرف كثير: مرعاة المفاتيح لعبيد الله المباركفوري، ومرقاة المفاتيح لعلي القاري .

 

****/

 

اللهم ارزقنا اليقينَ فِيكَ وفي نبيِّك ودينِك، وأحيِنَا على ذلك اليقين، وأمِتْنا عليه، وابْعثنا عليه. اللهم لَا تُزِغ قلوبنا بعد إذْ هديتَنا وهبْ لنا من لُدنَّك رحمةً؛ إنّكَ أنتَ الوهَّابُ. اللهم نعوذ بك من فتنة القبر ، اللهم ثبّتْنا عند السؤال. آمين.

 

 

-إلى أعلى الصفحة-

-------------------------------------------------------------------------------

 

تابع سؤالات فتنة القبر -3: السؤالُ الثاني والثالث: عن الربَّ والدينِ، والتثبيتُ الإلهي العظيم للذين آمنوا (1) :

 

ذكرنا في المشاركَتين السابقَتين سؤالَ الملكَين عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنه بِهِ نُفتَنُ وعنه نُسأَلُ؛ صلى الله عليه وسلم؛ وأهمية اليقين  فيه وفي نُبوَّتِه والدينِ الذي جاء به، صلى الله عليه وسلم. والآن نذكّر بالسؤالَين الثالث والثالث إن شاء الله تعالى:

 

 

عَنِ الْبَرَاءِ بن عازب رضي الله عنه:

 

عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فِى قَوْلِ اللَّهِ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِى الآخِرَةِ}، قَالَ:

 

«فِى الْقَبْرِ؛  إِذَا قِيلَ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ وَمَا دِينُكَ؟ وَمَنْ نَبِيُّكَ؟» .

 

 

أخرجه الإمام الترمذي (3120) وقال: (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ)، وصحّحه الشيخ الألباني في صحيح الترمذي.

 

**************************/

 

قَوْلُهُ : ( فِي قَوْلِهِ يُثَبِّتُ اللَّهُ ) أَيْ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى : {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ }  :

 

" بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ "  هُوَ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ ، وَهِيَ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، كما جاء في صحيح البخاري رحمه الله تعالى (1369) :

 

عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:

 

 «إِذَا أُقْعِدَ الْمُؤْمِنُ فِى قَبْرِهِ أُتِىَ ، ثُمَّ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ}» .

 

 وفي لفظٍ للحديث :  {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا}:  نَزَلَتْ فِى عَذَابِ الْقَبْرِ .

 

قوله تعالى: {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}: بِأَنْ لَا يُزَالوا عَنْهُم كلمة التوحيد إِذَا فُتِنُوا فِي دِينِهِمْ ، وَلَمْ يَرْتَابُوا بِالشُّبُهَاتِ؛ وَإِنْ أُلْقُوا فِي النَّارِ؛ كَمَا ثَبَتَ الَّذِينَ فَتَنَهُمْ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ وَغَيْرُهُمْ.

 

 

{وَفِي الْآخِرَةِ} :أَيْ فِي الْقَبْرِ ، بِتَلْقِينِ الْجَوَابِ وَتَمْكِينِ الصَّوَابِ ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ في الحديث:  ( قَالَ فِي الْقَبْرِ ) أَيْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ ، فَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ البخاري ومسلم: نَزَلَتْ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ،

 

 

وقال الْكَرْمَانِيُّ  : لَيْسَ فِي الْآيَةِ ذِكْرُ "عَذَابِ الْقَبْرِ" ، فَلَعَلَّهُ سَمَّى أَحْوَالَ الْعَبْدِ فِي قَبْرِهِ عَذَابَ الْقَبْرِ تَغْلِيبًا لِفِتْنَةِ الْكَافِرِ عَلَى فِتْنَةِ الْمُؤْمِنِ لِأَجْلِ التَّخْوِيفِ ، وَلِأَنَّ الْقَبْرَ مَقَامُ الْهَوْلِ وَالْوَحْشَةِ، وَلِأَنَّ مُلَاقَاةَ الْمَلَائِكَةِ مِمَّا يَهَابُ مِنْهُ اِبْنُ آدَمَ فِي الْعَادَةِ.

 

" إِذَا قِيلَ لَهُ " :  أَيْ لِصَاحِبِ الْقَبْرِ: " مَنْ رَبُّك وَمَا دِينُك وَمَنْ نَبِيُّك"

فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا أَزَالَ اللَّهُ الْخَوْفَ عَنْهُ ، وَثَبَّتَ لِسَانَهُ فِي جَوَابِ الْمَلَكَيْنِ فَيَقُولُ . رَبِّي اللَّهُ وَدِينِي الْإِسْلَامُ وَنَبِيِّي مُحَمَّدٌ .

 

***/

 

انظر بتصرف كثير : تحفة الأحوذي لمحمد عبد الرحمن المباركفوري، رحمه الله تعالى.

 

*********/

 

قال الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين:

 

وَتَحْتَ قَوْلِهِ : {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} كَنْزٌ عَظِيم؛ مَنْ وُفِّقَ لِمَظِنَّتِهِ وَأَحْسَنَ اسْتِخْرَاجَهُ وَاقْتِنَاءَهُ وَأَنْفَقَ مِنْهُ فَقَدْ غَنِمَ، وَمَنْ حُرِمَهُ فَقَدْ حُرِمَ:

 وَذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ تَثْبِيتِ اللَّهِ لَهُ طُرْفَةَ عَيْنٍ؛ فَإِنْ لَمْ يُثَبِّتْهُ وَإِلَّا: زَالَتْ سَمَاءُ إيمَانِهِ وَأَرْضُهِ عَنْ مَكَانِهِمَا؛ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى لِأَكْرَمِ خَلْقِهِ عَلَيْهِ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ :

{وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاك لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا}،  وَقَالَ تَعَالَى لِأَكْرَمِ خَلْقِهِ : {إذْ يُوحِي رَبُّكَ إلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الْبَجَلِيِّ قَالَ :  "وَهُوَ يَسْأَلُهُمْ وَيُثَبِّتُهُمْ"، وَقَالَ تَعَالَى لِرَسُولِهِ : {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْك مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ

 

 فَالْخَلْقُ كُلُّهُمْ قِسْمَانِ : مُوَفَّقٌ بِالتَّثْبِيتِ ، وَمَخْذُولٌ بِتَرْكِ التَّثْبِيتِ ،

وَمَادَّةُ التَّثْبِيتِ أَصْلُهُ وَمَنْشَؤُهُ مِنْ الْقَوْلِ الثَّابِتِ، وَفِعْلِ مَا أُمِرَ بِهِ الْعَبْدُ؛  فَبِهِمَا يُثَبِّتُ اللَّهُ عَبْدَهُ، فَكُلُّ مَنْ كَانَ أَثْبَتَ قَوْلًا وَأَحْسَنَ فِعْلًا كَانَ أَعْظَمَ تَثْبِيتًا؛

 قَالَ تَعَالَى : {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا}؛  فَأَثْبَتُ النَّاسِ قَلْبًا أَثْبَتُهُمْ قَوْلًا،

 

وَالْقَوْلُ الثَّابِتُ هُوَ: الْقَوْلُ الْحَقُّ،  وَالصِّدْقُ ، وَهُوَ ضِدُّ الْقَوْلِ الْبَاطِلِ الْكَذِبِ ؛ فَالْقَوْلُ نَوْعَانِ : ثَابِتٌ لَهُ حَقِيقَةٌ ، وَبَاطِلٌ لَا حَقِيقَةَ لَهُ ، وَأَثْبَتُ الْقَوْلِ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ وَلَوَازِمُهَا ، فَهِيَ أَعْظَمُ مَا يُثَبِّتُ اللَّهُ بِهَا عَبْدَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛

 وَلِهَذَا تَرَى الصَّادِقَ مِنْ أَثْبَتِ النَّاسِ وَأَشْجَعِهِمْ قَلْبًا ، وَالْكَاذِبَ مِنْ أَمْهَنِ النَّاسِ وَأَخْبَثِهِمْ وَأَكْثَرِهِمْ تَلَوُّثًا وَأَقَلِّهِمْ ثَبَاتًا..

فَمَا مُنِحَ الْعَبْدُ مِنْحَةً أَفْضَلَ مِنْ مِنْحَةِ الْقَوْلِ الثَّابِتِ،

وَيَجِدُ أَهْلُ الْقَوْلِ الثَّابِتِ ثَمَرَتَهُ أَحْوَجَ مَا يَكُونُونَ إلَيْهِ فِي قُبُورِهِمْ وَيَوْمَ مَعَادِهِمْ ، كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم:َ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ .

 

انتهى باختصار من كلام الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى.

 

******/

 

 

فلا يغرنّك أخي الحبيب تقلُّب الكافرين فضلًا عن الفاجرين في البلاد، وتسلّطُ الظالمين على رقاب العباد، فالكل ميتٌ  وسيستأكله الدود، ثم هوفي القبر مسئول؛ ولن ينفع إلا اليقينُ بما جاء به  النبي ُّ صلى الله عليه وسلم:   لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ،  عندها يثبّت الله تعالى من يشاء من عباده.

 

******/

 

اللهم ارزقنا اليقين، وتوفّنا على الإسلام وأنت راضٍ عنّا، وثبّتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. آمين.

 

 

-إلى أعلى الصفحة-

-------------------------------------------------------------------------------

تابع سؤالات فتنة القبر: تابع السؤالُ الثاني والثالث عن الربَّ والدينِ، والتثبيتُ الإلهي العظيم للذين آمنوا (2) :  مقارنة بين المؤمن الذي يُثبّته الله تعالى، وبين الكافر، وعاقبة كلٍّ منها في حياة البرزخ

 

 

عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما قَالَ :

 

خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى جَنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدْ ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرُ، وَفِى يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِى الأَرْضِ ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ :

 

«اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» . مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثاً.

 

وَقَالَ : «وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ حِينَ يُقَالُ لَهُ : "يَا هَذَا! مَنْ رَبُّكَ؟ وَمَا دِينُكَ؟ وَمَنْ نَبِيُّكَ؟» .

 

قَالَ : « وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ، فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولاَنِ لَهُ : مَنْ رَبُّكَ؟  فَيَقُولُ : رَبِّىَ اللَّهُ.

 

فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ : دِينِي الإِسْلاَمُ.

 

فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِى بُعِثَ فِيكُمْ؟

 

قَالَ: فَيَقُولُ : هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَيَقُولاَنِ : وَمَا يُدْرِيكَ؟ فَيَقُولُ: "قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ؛ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ"» .

 

«فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا}» . الآيَةَ .

 

قَالَ : «فَيُنَادِى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ : "أَنْ قَدْ صَدَقَ عَبْدِى؛ فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَافْتَحُوا لَهُ بَاباً إِلَى الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ"». قَالَ : «فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا، وَطِيبِهَا». قَالَ : « وَيُفْتَحُ لَهُ فِيهَا مَدَّ بَصَرِهِ».

 

قَالَ : «وَإِنَّ الْكَافِرَ..»  فَذَكَرَ مَوْتَهُ،  قَالَ : « وَتُعَادُ رُوحُهُ فِى جَسَدِهِ، وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ، فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولاَنِ : مَنْ رَبُّكَ؟  فَيَقُولُ : هَاهْ، هَاهْ، هَاهْ، لاَ أَدْرِى.

 

فَيَقُولاَنِ لَهُ : مَا دِينُكَ فَيَقُولُ : هَاهْ هَاهْ، لاَ أَدْرِى.

 

فَيَقُولاَنِ : مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِى بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ : هَاهْ، هَاهْ، لاَ أَدْرِى.

 

فَيُنَادِى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ : "أَنْ كَذَبَ؛ فَأَفْرِشُوهُ مِنَ النَّارِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ النَّارِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَاباً إِلَى النَّارِ».  قَالَ : « فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا، وَسَمُومِهَا» . قَالَ : «وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلاَعُهُ» .

 

قَالَ : «ثُمَّ يُقَيَّضُ لَهُ أَعْمَى أَبْكَمُ مَعَهُ مِرْزَبَةٌ مِنْ حَدِيدٍ؛ لَوْ ضُرِبَ بِهَا جَبَلٌ لَصَارَ تُرَابًا».

 

قَالَ: «فَيَضْرِبُهُ بِهَا ضَرْبَةً يَسْمَعُهَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ؛ فَيَصِيرُ تُرَاباً».

 

قَالَ: «ثُمَّ تُعَادُ فِيهِ الرُّوحُ».

 

*****/

أخرجه الإمام أبو داود في سُننه (4753)، وصحَّحه الشيخ الألباني في صحيح أبي داود، وحسّنه الشيخ مقبل الوادعي في الصحيح المسند (150)

 

 

*****/

شرح بعض كلمات الحديث:

 

قولُه: (وَإِنَّهُ) أَيْ الْمَيِّت (لَيَسْمَع خَفْق نِعَالهمْ) أَيْ صَوْت نِعَالهمْ.

 

(حِين يُقَال لَهُ مَا هَذَا الرَّجُل الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟) : "حين":  ظَرْف زمانٍ مٌتعلّقٌ لِقَوْلِهِ لَيَسْمَع، أي يقال له هذا السؤال حين يسمع صوت نعالِ الـمُشيِّعينَ عند انصرافهم بعد الدفن.

 

قوله:  (وَمَا يُدْرِيكَ؟) أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ أَخْبَرَك وَأَعْلَمَك بِمَا تَقُول مِنْ الرُّبُوبِيَّة وَالْإِسْلَام وَالرِّسَالَة؟

 

(فيقول:  قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّه)  أَيْ الْقُرْآنَ ( فَآمَنْتُ بِهِ) أَيْ آمنتُ  بِالْقُرْآنِ أَوْ آمنتُ  بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ حَقٌّ (وَصَدَّقْتُ) أَيْ وَصَدَّقْتُه صلى الله عليه وسلم  بِمَا قَالَ، أَوْ صَدَّقْتُ بِمَا فِي الْقُرْآن.

 

 

 قوله: (فَيُنَادِى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ : "أَنْ قَدْ صَدَقَ عَبْدِى؛ فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَافْتَحُوا لَهُ بَاباً إِلَى الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ"». قَالَ : «فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا) : "الرَّوْحُ" - بِفَتْحِ الراء: الرَّاحَةُ وَالنَّسِيمُ

 

(وَيُفْتَحُ لَهُ فِيهَا)  أَيْ فِي تُرْبَته وَهِيَ قَبْره (مَدَّ بَصَرِهِ) أَيْ مُنْتَهَى بَصَره.

 

(قَالَ : «وَإِنَّ الْكَافِرَ..»  فَذَكَرَ مَوْتَهُ) " أي ذكرَ حَال مَوْت الْكَافِر وَشِدَّته

قوله (هَاهْ هَاهْ) : قال ابن الأثير في النهاية: [هَاهْ هَاهْ] : هذه كَلمَة تُقال في الإبْعاد في حكاية الضَّحِك . وقد تُقال للتَّوجُّع فَتكُون الهاء الأولى مُبْدَلَة من هَمْزَة آهْ؛ وهو- أي التوجع - الألْيَقُ بِمَعْنى هذا الحديث. انتهى من النهاية.

 

قوله:  (فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا)  أَيْ حَرّ النَّار، وَهُوَ تَأْثِيرهَا.

 

( وَسَمُومهَا ) وَهِيَ الرِّيح الْحَارَّة.

 

قوله: (وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلاَعُهُ) : الأضلاعُ جَمْع ضِلْع، وَهُوَ عَظْم الْجَنْب؛ أَيْ حَتَّى يَدْخُل بَعْضُهَا فِي بَعْض مِنْ شِدَّة التَّضْيِيق وَالضَّغْطَة.

 

(ثُمَّ يُقَيَّض له) أَيْ يُسَلَّط  عليه وَيُوَكَّل به (أَعْمَى أبكمُ) أَيْ زَبَانِيَة أَعْمَى أبكم؛ كَيْ لَا يَرْحَم عَلَيْهِ. والأَبْكَم هو الذي خُلِقَ أَخْرَسَ. قاله ابن الأثير. وقيل غير ذلك في معنى "الأبكم".

 

(مَعَهُ مِرْزَبَة)  : "المرزبة" هي الْمِطْرَقَة الْكَبِيرَة الَّتِي تَكُون لِلْحَدَّادِ.

 

قوله: (ضَرْبَةً يَسْمَعُهَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ إِلاَّ الثَّقَلَيْنِ) : َالْمُرَاد بِالثَّقَلَيْنِ: الْإِنْس وَالْجِنّ ، قِيلَ لَهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَالثِّقَلِ عَلَى وَجْه الْأَرْض.

 

***/

 

انظر بتصرف كثير جدا واختصار: عون المعبود للفيروزآبادي، فتح الباري لابن حجر العسقلاني، النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، رحمهم الله جميعًا.

 

 

 

****/

وفي الحديث فوائد علمية وعقدية عديدة، لعلّ الله تعالى أن يُيسّر لنا عرضها لاحقا إن شاء الله تعالى حتى لا يطول شرحُ الحديث جدًا على إخواننا.

 ولكنّي أنصح نفسي وإياكم بقراءة الحديث أكثر من مرة وتدبّره؛ فإن فيه من الموعظة  ما فيه.

-إلى أعلى الصفحة-

-------------------------------------------------------------------------------

تابع سؤالات فتنة القبر: تابع التثبيتُ الإلهي العظيم للذين آمنوا (3) : قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا أَحَدٌ يَقُومُ عَلَيْهِ مَلَكٌ فِى يَدِهِ مِطْرَاقٌ إِلاَّ هُبِلَ عِنْدَ ذَلِكَ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ}

 

 

عن عائشة رضي الله عنه قالت:

قلتُ : يا رسولَ اللهِ! تُبتلَى هذه الأمَّةُ في قبورِها؛ فكيف بي وأنا امرأةٌ ضعيفةٌ؟!

قال :  {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ}.

 

قال المنذري في الترغيب: (رواه البزار، ورواته ثقات)، وصحَّحه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب (3554)

 

****/

 

وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رضي الله عنه قَالَ:

 

 شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَنَازَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

 

«يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ تُبْتَلَى فِى قُبُورِهَا، فَإِذَا الإِنْسَانُ دُفِنَ فَتَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ؛  جَاءَهُ مَلَكٌ فِى يَدِهِ مِطْرَاقٌ، فَأَقْعَدَهُ؛ قَالَ: مَا تَقُولُ فِى هَذَا الرَّجُلِ؟

 

 فَإِنْ كَانَ مُؤْمِناً قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ . فَيَقُولُ: صَدَقْتَ.

 

ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ، فَيَقُولُ: هَذَا كَانَ مَنْزِلُكَ لَوْ كَفَرْتَ بِرَبِّكَ، فَأَمَّا إِذْ آمَنْتَ فَهَذَا مَنْزِلُكَ:  فَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ ،  فَيُرِيدُ أَنْ يَنْهَضَ إِلَيْهِ، فَيَقُولُ لَهُ: اسْكُنْ  ، وَيُفْسَحُ لَهُ فِى قَبْرِهِ.

 

 وَإِنْ كَانَ كَافِراً أَوْ مُنَافِقاً؛ يَقُولُ لَهُ:  مَا تَقُولُ فِى هَذَا الرَّجُلِ؟

 

 فَيَقُولُ:  لاَ أَدْرِى؛ سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئاً فَقُلْتُهُ .

 

 فَيَقُولُ: لاَ دَرَيْتَ وَلاَ تَلَيْتَ وَلاَ اهْتَدَيْتَ . ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: هَذَا مَنْزِلُكَ لَوْ آمَنْتَ بِرَبِّكَ، فَأَمَّا إِذْ كَفَرْتَ بِهِ؛  فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَبْدَلَكَ بِهِ هَذَا: وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى النَّارِ، ثُمَّ يَقْمَعُهُ قَمْعَةً بِالْمِطْرَاقِ يَسْمَعُهَا خَلْقُ اللَّهِ كُلُّهُمْ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ».

 

 فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا أَحَدٌ يَقُومُ عَلَيْهِ مَلَكٌ فِى يَدِهِ مِطْرَاقٌ إِلاَّ هُبِلَ عِنْدَ ذَلِكَ؟!

 

 فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ}» .

 

أخرجه الإمام أحمد في مسنده (3/3) ، وقال الشيخ شعيب في التحقيق: (صحيح، وهذا إسناد حسن)، وصحّحه الشيخ ابن القيم في إعلام الموقعين، وصحَّحه الشيخ الألباني صحيح الترغيب (3556)

 

****/

 

تعليق:

 

من فوائد هذا الحديث أن  الملـَك الذي يسأل الميتَ يكون معه مطراقٌ ين السؤال؛ هذا المطراق يراه كلٌ مِن المؤمن   والكافر . وتخيّلْ أخي لو قام عليك "رجلٌ" عظيمٌ الجثة ومعه آلة الضرب الخطيرة هذه "المطراق" ماذا سيحدث لقلبك وعقلك؟!

 فما بالُك وأنت في القبر وحيدًا، والذي بيده المطراق هو الملَك الذي سمّاه الله تعالى مُنكَرا، أو نَكِيرا! ثم يسألُك : مَن نبيك، ومن ربك، وما دينًك؟!!

 

عندها يثبِّت اللهُ الذين آمنوا بالقول الثابت ، ويُضلُّ اللهُ الظالمين.

-إلى أعلى الصفحة-

-------------------------------------------------------------------------------

 حديث البراء المهم في الروح ، وفي مسارها منذ  الاحتضارطلوعها حتى ردّها إلى جسد الميت لسؤال الملَكين عليهما السلام:

 

عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه  قَالَ:

 خَرَجْنَا مَعَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فِى جَنَازَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَار،ِ فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدْ،  فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ وَفِى يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِى الأَرْضِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ:

 

«اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» . مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، ثُمَّ قَالَ:

 

 «إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِى انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الآخِرَةِ؛ نَزَلَ إِلَيْهِ مَلاَئِكَةٌ مِنَ السَّمَاءِ ؛بِيضُ الْوُجُوهِ؛ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الشَّمْسُ،  مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ،

 

 ثُمَّ يَجِىءُ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ،  فَيَقُولُ:  "أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِى إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ".

 

- قَالَ : فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِى السِّقَاءِ.

 

 فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا؛ لَمْ يَدَعُوهَا فِى يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا فَيَجْعَلُوهَا فِى ذَلِكَ الْكَفَنِ وَفِى ذَلِكَ الْحَنُوطِ،  وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ.

 

 قَالَ: فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلاَ يَمُرُّونَ - يَعْنِى بِهَا - عَلَى مَلأٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ إِلاَّ قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ؟!

 فَيَقُولُونَ:  فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ -  بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِى كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِى الدُّنْيَا؛ حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِى تَلِيهَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ،  

 

فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:  اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِى فِى عِلِّيِّينَ،  وَأَعِيدُوهُ إِلَى الأَرْضِ؛ فَإِنِّى مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ، وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ، وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى.

 

 قَالَ:  فَتُعَادُ رُوحُهُ فِى جَسَدِهِ،  

 

فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ، فَيُجْلِسَانِهِ،  فَيَقُولاَنَ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟  فَيَقُولُ: رَبِّىَ اللَّهُ .

 

فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟     فَيَقُولُ: دِينِىَ الإِسْلاَمُ .

 

 فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِى بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ .

 

 فَيَقُولاَنِ لَهُ: وَمَا عِلْمُكَ؟  فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ؛ فَآمَنْتُ بِهِ، وَصَدَّقْتُ .

 

فَيُنَادِى مُنَادٍ فِى السَّمَاءِ: أَنْ صَدَقَ عَبْدِى؛ فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَاباً إِلَى الْجَنَّةِ.

 

 قَالَ : فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا وَطِيبِهَا،  وَيُفْسَحُ لَهُ فِى قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ.

 

 قَالَ:  وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ؛ حَسَنُ الثِّيَابِ؛ طَيِّبُ الرِّيحِ،  فَيَقُولُ:  أَبْشِرْ بِالَّذِى يَسُرُّكَ؛ هَذَا يَوْمُكَ الَّذِى كُنْتَ تُوعَدُ.

 

 فَيَقُولُ لَهُ:  مَنْ أَنْتَ؛ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِىءُ بِالْخَيْرِ؟!

 

 فَيَقُولُ:  أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ.

 

 فَيَقُولُ: رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِى وَمَالِى.

 

 

 

 

قَالَ:  وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِى انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الآخِرَةِ؛ نَزَلَ إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ مَلاَئِكَةٌ؛ سُودُ الْوُجُوهِ؛ مَعَهُمُ الْمُسُوحُ،  فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ،

 

 ثُمَّ يَجِىءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ:  "أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةَُ! اخْرُجِى إِلَى سَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَغَضَبٍ".

 

 قَالَ:  فَتُفَرَّقُ فِى جَسَدِهِ،  فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ مِنَ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ،

 فَيَأْخُذُهَا،  فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِى يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِى تِلْكَ الْمُسُوحِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ!

 

 فَيَصْعَدُونَ بِهَا،  فَلاَ يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلأٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ إِلاَّ قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الْخَبِيثُ؟!

فَيَقُولُونَ فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ-  بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِى كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِى الدُّنْيَا حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ؛ فَلاَ يُفْتَحُ لَهُ».

 

ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:   {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ}

 

« فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:  اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِى سِجِّينٍ فِى الأَرْضِ السُّفْلَى،

 فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحُا».

 

ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}

 

«فَتُعَادُ رُوحُهُ فِى جَسَدِهِ،

 

 وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ، فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟   فَيَقُولُ: هَاهْ، هَاهْ، لاَ أَدْرِى.

 

 فَيَقُولاَنِ لَهُ:  مَا دِينُكَ؟      فَيَقُولُ: هَاهْ، هَاهْ، لاَ أَدْرِى.

 

 فَيَقُولاَنِ: لَهُ مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِى بُعِثَ فِيكُمْ؟     فَيَقُولُ: هَاهْ، هَاهْ، لاَ أَدْرِى.

 

فَيُنَادِى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَنْ كَذَبَ؛ فَافْرِشُوا لَهُ مِنَ النَّارِ،  وَافْتَحُوا لَهُ بَاباً إِلَى النَّارِ.

 

 فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا، وَسَمُومِهَا، وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ؛ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ أَضْلاَعُهُ،

 

 وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ؛ قَبِيحُ الْوَجْهِ؛ قَبِيحُ الثِّيَابِ؛ مُنْتِنُ الرِّيحِ،  فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِى يَسُوءُكَ؛ هَذَا يَوْمُكَ الَّذِى كُنْتَ تُوعَدُ .

 

فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؛ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِىءُ بِالشَّرِّ؟!

 فَيَقُولُ:  أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ.

 

 فَيَقُولُ: رَبِّ لاَ تُقِمِ السَّاعَةَ»

 

***/

 

أخرجه الإمام أحمد في مسنده (4/287)  وقال الشيخ شعيب في التحقيق: (إسناده صحيح؛ رجاله رجال الصحيح) ، وصحَّحه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3558)

 

 

******/

 

شرح موجز لبعض كلمات الحديث:

 

قول البراء رضي الله عنه: (فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ وَفِى يَدِهِ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِى الأَرْضِ) : يُقال: نكتَ الأرضَ بقضيب؛ أي ضربها به حال التفكُّر فأثّر فيها، ويُسمَّى المعنى الدقيق الذي أُخرِج بدقةِ نظَرٍ وإمعانِ فكْرٍ "نُكتة؛ لأنَّ من عادة المتفكِّر أن يَنكُتَ.

 

قوله صلى الله عليه وسلم: (وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ) : "الحنوطُ" هو  ما يُخلَط مِن الطيب لأكفان الموتى وأجسادهم.

 

قوله: (ثُمَّ يَجِىءُ مَلَكُ الْمَوْتِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ،  فَيَقُولُ:  "أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِى إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ") :  أي ليس أمامك إلا المغفرة والرضوان، وفيه بشارةُ دفعِ العذاب وكمالِ الثواب.

 

قوله: (فَتَخْرُجُ) أي رُوحُه ( تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِى السِّقَاءِ) :  أي كسيلان القطرة في السهولة من فم  القِربة . و"السقاء" هو : وعاء من جلد يكون للماء و اللبن. والمقصود:  بيانُ أن الروح تخرج من البدن بسهولة.

 

(فَيَأْخُذُهَا) أي ملَكُ الموت عليه السلام،، (فَإِذَا أَخَذَهَا؛ لَمْ يَدَعُوهَا) أي لم يتركوها (فِى يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ) أدباً معه أو اشتياقاً إليها (حَتَّى يَأْخُذُوهَا فَيَجْعَلُوهَا فِى ذَلِكَ الْكَفَنِ وَفِى ذَلِكَ الْحَنُوطِ) فيه إشارة إلى أن ملك الموت إذا قبضَ روحَ العبد سلَّمها إلى أعوانه الذين معهم كفنٌ من أكفان الجنة،  (وَيَخْرُجُ مِنْهَا) أي يخرجُ من الرُّوح رِيحٌ أو شيءٌ (كَأَطْيَبِ) أي مثل أطيب (نَفْحَةِ) أي رائحةِ  (مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ).

 

(قَالَ: فَيَصْعَدُونَ) أي أعوانُ ملك الموت، أو ملائكة الرحمة منهم أو مِن غيرهم( بِهَا) أي بالروح (فَلاَ يَمُرُّونَ - يَعْنِى بِهَا - عَلَى مَلأٍ) أي جمعٍ عظيم (مِنَ الْمَلاَئِكَةِ)   أي الذين بين السماء والأرض (إِلاَّ قَالُوا) أي الملأُ : (مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ؟!

 فَيَقُولُونَ:  فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ -  بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِى كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِى الدُّنْيَا؛

 حَتَّى) أي لا يزال الملائكةُ يَسألون ويُجابَون كذلك حتى (يَنْتَهُوا بِهَا) أي ينتهوا بالروح (إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ) الضمير للروح؛ فإنه يُذكَّر ويُؤنَّثُ  (فَيُفْتَحُ لَهُمْ) الضميرُ في "لهم" للجمْعِ؛ إشارة إلى أن أعوان ملّك الموت عليهم السام لا يُفارقونه بل يستمرّون معه،

(فَيُشَيِّعُهُ) من التشيِّيع؛ وهو الخروج مع أحدٍ لتوديعه أو لتبليغه مَنزلَهَ؛ يعني يستقبله ويصحبه (مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِى تَلِيهَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ،  

 

فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:  اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِى) الإضافة في "عبدي" للتشريف - ولذا قال في الكافر: "اكتبوا كتابه".  أي اجعلوا كتابةَ عبدي بكتابة اسمه  

 

(فِى عِلِّيِّينَ) :

 

 

 

قال الإمامُ ابنُ كثير في تفسير قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18) وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ (19) كِتَابٌ مَرْقُومٌ (20) يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ}، [المطففين:17-21]:

«يقول تعالى: حقا { إِنَّ كِتَابَ الأبْرَارِ } وهم بخلاف الفجار، { لَفِي عِلِّيِّينَ} أي: مصيرهم إلى عليين، وهو بخلاف سجين.

قال الأعمش، عن شَمر بن عطية، عن هلال بن يَسَاف قال: سأل ابن عباس كعبا وأنا حاضر عن سجين، قال: هي الأرض السابعة، وفيها أرواح الكفار. وسأله عن عِلّيين فقال: هي السماء السابعة، وفيها أرواح المؤمنين. وهكذا قال غير واحد: إنها السماء السابعة.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: { كَلا إِنَّ كِتَابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ } يعني: الجنة. وفي رواية العَوفي، عنه: أعمالهم في السماء عند الله. وكذا قال الضحاك. وقال قتادة: عليون: ساق العرش اليمنى. وقال غيرُه: عليون: عند سدرة المنتهى».  انتهى من كلام الحافظ ابن كثير في تفسيره.

وقال الإمام الطبري في تفسيره بعد ما ذكَرَ رواياتِ السلف في تفسير عليين :

«فإذا كان ذلك كالذي ذكرنا، فبين أنّ قوله:( لَفِي عِلِّيِّينَ ) معناه: في علوّ وارتفاع في سماء فوق سماء، وعلوّ فوق علوّ،  وجائز أن يكون ذلك إلى السماء السابعة، وإلى سدرة المنتهى، وإلى قائمة العرش، ولا خبر يقطع العذر بأنه معنيّ به بعض ذلك دون بعض.

والصواب أنْ يُقال في ذلك، كما قال جلّ ثناؤه: إنّ كتاب أعمال الأبرار لفي ارتفاع إلى حدّ قد علم الله جلّ وعزّ مُنتهاه، ولا علم عندنا بغايته، غير أن ذلك لا يقصر عن السماء السابعة، لإجماع الحجة من أهل التأويل على ذلك

 

وقوله:( وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم  مُعَجِّبَه مِن عليين: وأيّ شيء أشعركَ يا محمد ما عليون.

وقوله:( كِتَابٌ مَرْقُومٌ ) يقول جلّ ثناؤه: إن كتاب الأبرار لفي عليين،( كتاب مرقوم ): أي مكتوبٌ بأمان من الله إياه من النار يوم القيامة، والفوز بالجنة، كما قد ذكرناه قبل عن كعب الأحبار والضحاك بن مُزَاحم..

وقوله:( يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ ) يقول: يشهد ذلك الكتاب َالمكتوب بأمان الله للبَرّ من عباده من النار، وفوزه بالجنة، المقرّبون من ملائكته من كلّ سماء من السموات السبع». انتهى باختصار من تفسير الإمام الطبري.

 

 

 

(وَأَعِيدُوهُ إِلَى الأَرْضِ) أي أعيدوا  رُوحَه إلى جسده الذي دُفِن في الأرض ؛

(فَإِنِّى مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ، وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى.

قَالَ:  فَتُعَادُ رُوحُهُ فِى جَسَدِهِ)  : قال صاحبُ مرعاة المفاتيح:  ظاهرُ الحديث أن عودَ الروح إلى جميع أجزاء بدنه؛  فلا التفاتَ إلى ما قيل إن العود إنما يكون إلى البعض، أو إلى النصف؛  فإنه محتاج إلى النقل الصحيح.

 

قَالَ:  فَتُعَادُ رُوحُهُ فِى جَسَدِهِ،  

 

(فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ) أي : الـمُنْكَرُ والنَّكِيْرُ  (فَيُجْلِسَانِهِ،  فَيَقُولاَنَ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟  فَيَقُولُ: رَبِّىَ اللَّهُ .

 

فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟     فَيَقُولُ: دِينِىَ الإِسْلاَمُ .

 

 فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِى بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللَّهِ .

 

 فَيَقُولاَنِ لَهُ: وَمَا عِلْمُكَ؟) ) أي ما سببُ علمك برسالته، ومِن أين علمتَ ذلك، وما حُجَّتك على رسالته؟   (فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللَّهِ؛ فَآمَنْتُ بِهِ) أي آمنتُ بالكتاب، أو بالرسول، أو بما في الكتاب وعلمتُ جميعَ ما ذكرْتَ من معانيه (وَصَدَّقْتُ.

 

 

فَيُنَادِى مُنَادٍ فِى السَّمَاءِ: أَنْ صَدَقَ عَبْدِى؛ فَأَفْرِشُوهُ) أعطوه فِراشًا، أو أفرشوا له فِراشًا (مِنَ الْجَنَّةِ) أي مِن فُرشها (وَأَلْبِسُوهُ) أي اكْسُوه (مِنَ الْجَنَّةِ) أي من ثياب الجنة (وَافْتَحُوا لَهُ) أي افتحو لأجله  (بَاباً) من القبر  (إِلَى الْجَنَّةِ.

 

 قَالَ : فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا) بِفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ: نَسِيمِهَا (وَطِيبِهَا) أَيْ: رَائِحَتِهَا  (وَيُفْسَحُ) أي يُوسَّعُ (لَهُ فِى قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ.)  قال علي بن سلطان الملا القاري : وَهُوَ – أي مدُّ بصرِه -  مُخْتَلِفٌ بِاخْتِلَافِ الْبَصَرِ الْمُرَتَّبِ عَلَى اخْتِلَافِ الْبَصِيرَةِ. انتهى.

 

قَالَ:  وَيَأْتِيهِ) أي يأتي المؤمنَ (رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ؛ حَسَنُ الثِّيَابِ؛ طَيِّبُ الرِّيحِ،  فَيَقُولُ:  أَبْشِرْ بِالَّذِى يَسُرُّكَ؛ هَذَا يَوْمُكَ الَّذِى كُنْتَ تُوعَدُ.

 

 فَيَقُولُ لَهُ) أي يقول المؤمنُ :  (مَنْ أَنْتَ؛ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِىءُ بِالْخَيْرِ؟! ) أَيْ: وَجْهُكَ هُوَ الْكَامِلُ فِي الْحُسْنِ وَالْجَمَالِ ، وَحَقٌّ لِمِثْلِ هَذَا الْوَجْهِ أَنْ يَجِيءَ بِالْخَيْرِ وَيُبَشِّرَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْبِشَارَةِ

 

 (فَيَقُولُ)أي  فَيَقُولُ  ذلك  الْمُصَوَّرُ بِصُورَةِ الرَّجُلِ صاحبِ الوجه الحَسن:  (أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ.

 

 فَيَقُولُ: رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِى) أي من الحوار العين والخدم (وَمَالِى) من القصور والبساتين وغيرهما مما يطلق عليه اسم المال،

 

وقيل المراد بـ (الأهل) هنا: أقاربُه من المؤمنين وبـ (مالي) ما يشتمل الحور والقصور. يعني:

 

وقيل: بل طلبَ إقامةَ القيامة لكي يصل إلى ما أُعدَّ له من الثواب والدرجات، ويؤيده ما ذكر في الكافر حكاية عنه: "رب لا تقم الساعة" لكي يهرب به عما يُعدُّ له من العقاب.

 

 وقال الطيبي: لَعَلَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ طَلَبِ إِحْيَائِهِ؛ لِكَيْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا، وَيَزِيدَ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَالْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَزِيدَ ثَوَابًا وَيُرْفَعَ فِي دَرَجَاتِهِ. اهـ.

 

وقيل: يحتمل أن يكون قول المؤمن في القبر "حتى أرجع إلى أهلي ومالي" :  لفرط سرورِه وغاية فرحِه، ويكون تمنِّيه الرجوعَ إلى أهله ليخبرهم بذلك؛ كما يقول ويتمنى  مثلَ المسافرُ الذي حصلَ له التنعمَ في بلد الغربة لأهله.

 

 

 

 

(قَالَ) أي قال النبي صلى الله عليه وسلم:   (وَإِنَّ الْعَبْدَ الْكَافِرَ إِذَا كَانَ فِى انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الآخِرَةِ؛ نَزَلَ إِلَيْهِ مِنَ السَّمَاءِ مَلاَئِكَةٌ)  مِنْ مَلَائِكَةِ الْعَذَابِ ؛ (سُودُ الْوُجُوهِ؛ مَعَهُمُ الْمُسُوحُ) الْمُسُوحُ: جَمْعُ الْمِسْحِ - بِكَسْرِ الميم : وَهُوَ اللِّبَاسُ الْخَشِنُ   (فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ) انْتِظَارًا لِخُرُوجِ رُوحِهِ.

 

 (ثُمَّ يَجِىءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ:  "أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةَُ!) أَيْ: خَبِيثَةُ الْخِصَالِ غَيْرُ مَرَضِيَّةِ الْأَعْمَالِ (اخْرُجِى إِلَى سَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَغَضَبٍ".

 

 قَالَ:  فَتُفَرَّقُ) أي تتفرّق رُوحه  (فِى جَسَدِهِ) : كَرَاهَةَ الْخُرُوجِ إِلَى مما سيُلاقيه من الْعَذَابِ الْأَلِيمِ،  عكس رُوحِ الْمُؤْمِنِ: تَخْرُجُ وَتَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنَ السِّقَاءِ فَرَحًا بمَا سيَمُرُّ بِهِ مِنَ الْكَرَامَةِ  (فَيَنْتَزِعُهَا) أي فَيَنْتَزِعُهَا مَلَكُ الْمَوْتِ؛ أي يَسْتَخْرِجُ رُوحَهُ بِعُنْفٍ وَشَدَّةِ مُعَالَجَةٍ (كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ) السفود هو الشَّوْكُ أَوِ الْحَدِيدُ الَّتِي يُشْوَى بِهَا اللَّحْمُ  (مِنَ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ)

قَالَ الطِّيبِيُّ: شَبَّهَ نَزْعَ رُوحِ الْكَافِرِ مِنْ أَقْصَى عُرُوقِهِ بِحَيْثُ يَصْحَبُهُ الْعُرُوقُ - كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: وَتُنْزَعُ نَفْسُهُ مَعَ الْعُرُوقِ-  بنَزْعِ السَّفُّودِ؛ وَهُوَ الْحَدِيدُ الَّتِي يُشْوَى بِهَا اللَّحْمُ فَيَبْقَى مَعَهَا بَقِيَّةٌ مِنَ الْمَحْرُوقِ، فَيَسْتَصْحِبُ عِنْدَ الْجَذْبِ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ الصُّوفِ مَعَ قُوَّةٍ وَشِدَّةٍ. وَبِعَكْسِهِ شَبَّهَ خُرُوجَ رُوحِ الْمُؤْمِنِ مِنْ جَسَدِهِ بِتَرْشِيحِ الْمَاءِ وَسَيَلَانِهِ مِنَ الْقِرْبَةِ الْمَمْلُوءَةِ مَاءً مَعَ سُهُولَةٍ وَلُطْفٍ.

 

(فَيَأْخُذُهَا) ملَكُ الموت   (فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا) أي لم يدع الملائكةُ أعوانُ ملَك الموت روحَ الكافر (فِى يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِى تِلْكَ الْمُسُوحِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ!) افْتِضَاحًا لَهَا، وَإِظْهَارًا لِرَدَاءَتِهَا

 

 _فَيَصْعَدُونَ بِهَا،  فَلاَ يَمُرُّونَ بِهَا عَلَى مَلأٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ إِلاَّ قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الْخَبِيثُ؟!

فَيَقُولُونَ فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ-  بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِى كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِى الدُّنْيَا حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيُسْتَفْتَحُ لَهُ؛ فَلاَ يُفْتَحُ لَهُ».

 

 

ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:   {لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ})  :

الْجَمَلُ: هو الذكر من الإبل، ولا يقال للبعير جمل إلا إذا بزل؛ أي دخل في السنة التاسعة، وقيل: إنما يسمى جملاً إذا أربعَ؛ أي بلغ أربعَ سنين،

{فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} : السمُّ :هو الثقب اللطيف الضيق.  والخِياط: هي الآلة التي يُـخاط بها، والمراد به الإبرة في هذه الآية، وخُصَّ الجملُ بالذكر من بين سائر الحيوانات لأنه أكبر من سائر الحيوانات جسمًا عند العرب، ويُضْرَب به المثل عندهم في كبر الذات وعظم الجرم، وخُصَّ سمّ الخياط لكونه غاية الضيق وأضيق المنافذ،  ودخول الجمل مع عظم جسمه في ثقب الإبرة الضيق غير ممكن،  فكذا ما تَوقَّف عليه؛ وهو فتح أبواب السماء لهم!

 

فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:  "اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِى سِجِّينٍ فِى الأَرْضِ السُّفْلَى")

 

قال تعالى: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ (7) وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ (8) كِتَابٌ مَرْقُومٌ}، [المطففين:]

 

قال الإمام ابن كثير في تفسيره ما حاصله: «يقول: حقا { إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ } أي: إن مصيرهم ومأواهم لفي سِجِّين -فِعِّيل من السَّجن ؛ وهو الضيق-كما يقال: فسّيق وشرّيب وخمّير وسكّير، ونحو ذلك. ولهذا عظَّم أمره فقال: { وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ } ؟ أي: هو أمر عظيم، وسجن مقيم وعذاب أليم..

وقوله: { كِتَابٌ مَرْقُومٌ } ليس تفسيرا لقوله: { وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ } وإنما هو تفسيرٌ لما كُتِب لهم من المصير إلى سجين، أي: مرقومٌ مكتوبٌ مفروغٌ منه،؛ لا يُزاد فيه أحدٌ ولا يُنقَص منه أحدٌ؛ قاله محمد بن كعب القرظي». انتهى باختصار.

 

وقال الإمام الطبري في تفسيره: يقول تعالى ذِكْرُه: « ( كَلا ) : أي ليس الأمر كما يظنّ هؤلاء الكفارُ أنَّهم غير مُبعوثين ولا مُعذَّبين؛ إنَّ كتابَهم الذي كُتِب فيه أعمالُهم التي كانوا يعملونها في الدنيا ( لَفِي سِجِّينٍ ) ؛ وهي الأرض السابعة السفلى، وهو "فِعِّيل" من السجن، كما قيل: رجل سِكِّير من السكر، وفِسِّيق من الفسق».

 

 فَتُطْرَحُ) أَيْ: فتُرْمَى (رُوحُهُ طَرْحُا»)  طَرْحًا أَيْ: رَمْيًا شَدِيدًا.

 

(ثُمَّ قَرَأَ: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}

 

«فَتُعَادُ رُوحُهُ فِى جَسَدِهِ،

 

 وَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ، فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولاَنِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟   فَيَقُولُ: هَاهْ، هَاهْ، لاَ أَدْرِى.

 

 فَيَقُولاَنِ لَهُ:  مَا دِينُكَ؟      فَيَقُولُ: هَاهْ، هَاهْ، لاَ أَدْرِى.

 

 فَيَقُولاَنِ: لَهُ مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِى بُعِثَ فِيكُمْ؟     فَيَقُولُ: هَاهْ، هَاهْ، لاَ أَدْرِى.

 

فَيُنَادِى مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَنْ كَذَبَ) أَيْ: كَذَبَ فِي نَفْيِ الدِّرَايَةِ عَنْهُ مُطْلَقًا، بَلْ عَرَفَ اللَّهَ وَأَشْرَكَ بِهِ، وَتَبَيَّنَ لَهُ الدِّينُ، وَمَا تَدَيَّنَ بِهِ. وَظَهَرَتْ رِسَالَةُ النَّبِيِّ بِالْمُعْجِزَاتِ عِنْدَهُ، وَمَا أَطَاعَهُ.

 أَوِ الْكَذِبُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مَعْنَى "لَا أَدْرِي" : أي لَمْ يَكُنْ لِي قَابِلِيَّةُ دِرَايَةٍ بِالْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ. وَهَذَا كَذِبٌ مَحْضٌ مِنْهُمْ؛ فَإِنَّهُمْ تَرَكُوا هَذَا الْعِلْمَ بِاخْتِيَارِهِمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

 

 (فَافْرِشُوا لَهُ مِنَ النَّارِ،  وَافْتَحُوا لَهُ بَاباً إِلَى النَّارِ.

 

 فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا) : أَيْ يَأْتِيهِ بَعْضُ حَرِّهَا فِي قَبْرِهِ، وَأَمَّا تَمَامُهُ فَفِي الْآخِرَةِ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه: 127]،  وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46]

 

(وَسَمُومِهَا) أَيْ: شِدَّةِ حَرَارَتِهَا، وَظَاهِرُ الْمُقَابَلَةِ أَنَّ سَمُومَهَا مَمْزُوجٌ بِالنَّتَنِ وَالْعُفُونَةِ.

 

(وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ؛ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهِ) أي حتى تختلف في قبرِه، أو: في بدنِه (أَضْلاَعُهُ،

 

 وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ؛ قَبِيحُ الْوَجْهِ؛ قَبِيحُ الثِّيَابِ؛ مُنْتِنُ الرِّيحِ،  فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِى يَسُوءُكَ؛ هَذَا يَوْمُكَ الَّذِى كُنْتَ تُوعَدُ .

 

فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؛ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِىءُ بِالشَّرِّ؟!

 

 فَيَقُولُ:  أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ.

 

 فَيَقُولُ: رَبِّ لاَ تُقِمِ السَّاعَةَ»

 

****/

 

انظر: بتصرف كثير واختصار:  مرعاة المفاتيح لعبيد الله المباركفوري، ومرقاة المفاتيح لعلي بن سلطان القاري، وتفسيرَي ابنِ كثير والطبري. رحمَ الله الجميعَ.

 

*******/

 

واهذا الحديث العظيم  فوائد كثيرة ومهمة، ومن من فوائد هذا الحديث المهمة:

 أَن الرّوح  تُعَاد إِلَى الْمَيِّت فِي قَبره وَقت السُّؤَال كما دلَّ على ذلك قولُه صلى الله عليه وسلم : "فَتُعَادُ رُوحُهُ فِى جَسَدِهِ".

قال ابن القيم: وَذهب إِلَى القَوْل بِمُوجب هَذَا الحَدِيث جَمِيعُ أهل السُّنَّة والْحَدِيث من سَائِر الطوائف. انتهى. 

 

وخالف في ذلك الحافظ أبو محمد ابن حزم عفا الله تعالى. فقال:  صحَّ بِنَصّ الْقُرْآن أَن أَرْوَاح سَائِر من ذكرنَا لَا ترجع إِلَى جسده إِلَّا الْأَجَل الْمُسَمّى وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة... إلى آخر ما ذكره عنه ابن القيم كما في «الروح».

 

ثم قال ابن القيم ردًّا على ذلك: مَا ذكره أَبُو مُحَمَّد فِيهِ حق وباطل؛ أما قَوْله "من ظن أَن الْمَيِّت يحيا فِي قَبره فخطأ"؛ فَهَذَا فِيهِ إِجْمَال:

 

1-      إنْ أَرَادَ بِهِ الْحَيَاة الْمَعْهُودَة فِي الدُّنْيَا الَّتِي تقوم فِيهَا الرّوح بِالْبدنِ وتدبره وتصرفه وتحتاج مَعهَا إِلَى الطَّعَام وَالشرَاب واللباس؛ فَهَذَا خطأ كَمَا قَالَ،  والحس وَالْعقل يكذبهُ كَمَا يكذبهُ النَّصُّ.

 

2-     وَإِن أَرَادَ بِهِ حَيَاةً أُخْرَى غير هَذِه الْحَيَاة؛  بل تُعَاد إِلَيْهِ إِعَادَةً غيرَ الْإِعَادَة المألوفة فِي الدُّنْيَا،  ليُسْألَ ويُمْتَحنَ فِي قَبره:  فَهَذَا حقٌ،  ونفيه خطأ،  وَقد دلّ عَلَيْهِ النَّص الصَّحِيح الصَّرِيح وَهُوَ قَوْله: «فتعاد روحه فِي جسده»..

 

وَأما استدلاله بقوله تَعَالَى {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} :  فَلَا يَنْفِي ثُبُوت هَذِه الْإِعَادَة الْعَارِضَة للروح فِي الْجَسَد؛  كَمَا أَن قَتِيل بني إِسْرَائِيل الَّذِي أَحْيَاهُ الله بعد قَتله ثمَّ أَمَاتَهُ لم تكن تِلْكَ الْحَيَاة الْعَارِضَة لَهُ للمساءلة معتدا بهَا؛ فَإِنَّهُ يحيى لَحْظَة بِحَيْثُ قَالَ: فلَان قتلنى،  ثمَّ خر مَيتا،

 

 على أَن قَوْله «ثمَّ تُعَاد روحه فِي جسده»:  لَا يدل على حَيَاة مُسْتَقِرَّة،  وَإِنَّمَا يدل على إِعَادَةٍ لَهَا إِلَى الْبدن، وَتعلُّقٍّ بِهِ.  وَالروحُّ لم تزل مُتَعَلِّقَةً ببدنها؛ وَإِنْ بلَيَ وتمزَّقَ.

 

وسر ذَلِك:  أَن الرّوح لَهَا بِالْبدنِ خَمْسَة أَنْوَاع من التَّعَلُّق مُتَغَايِرَة الْأَحْكَام:

 

أَحدهَا: تعلقهَا بِهِ فِي بطن الْأُم جَنِينا.

 

الثَّانِي:  تعلقهَا بِهِ بعد خُرُوجه إِلَى وَجه الأَرْض.

 

الثَّالِث:  تعلقهَا بِهِ فِي حَال النّوم؛ فلهَا بِهِ تعلُّقٌ مِن وَجهٍ، ومفارقةٌ من وَجه.

 

الرَّابِع:  تعلقهَا بِهِ فِي البرزخ؛  فَإِنَّهَا وَإِن فارقته وتجردت عَنهُ؛  فَإِنَّهَا لم تُفَارِقهُ فراقا كليا بِحَيْثُ لَا يبْقى لَهَا الْتِفَات إِلَيْهِ الْبَتَّةَ،

وَقد ذكرنَا فِي أول الْجَواب من الْأَحَادِيث والْآثَار مَا يدل على ردهَا إِلَيْهِ وَقت سَلام الْمُسلم،  وَهَذَا الرَّد إِعَادَة خَاصَّة لَا يُوجب حَيَاة الْبدن قبل يَوْم الْقِيَامَة.

 

الْخَامِس تعلقهَا بِهِ يَوْم بعث الأجساد؛  وَهُوَ أكمل أَنْوَاع تعلقهَا بِالْبدنِ،  وَلَا نِسْبَة لما قبله من أَنْوَاع التَّعَلُّق إِلَيْهِ؛  إِذْ تعلقٌ لَا يقبل الْبدن مَعَه موتا وَلَا نوما وَلَا فَسَادًا.

 

وَأما قَوْله تَعَالَى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}:

فإمساكُه سُبْحَانَهُ الَّتِي قضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ لَا يُنَافِي ردهَا إِلَى جَسدهَا الْمَيِّتِ فِي وَقتٍ مَا ردًّا عارضًا لَا يُوجِب لَهُ الْحَيَاةَ الْمَعْهُودَةَ فِي الدُّنْيَا.

 

وَإِذا كَانَ النَّائِمُ رُوحُه فِي جسده وَهُوَ حَيّ وحياته غير حَيَاة المستيقظ؛  فَإِن النّومَ شَقِيقُ الْمَوْت؛

  فَهَكَذَا الْمَيِّت:  إِذا أُعِيدَت رُوحُه إِلَى جسده؛  كَانَت لَهُ حَالٌ متوسطة بَين الْحَيّ وَبَين الْمَيِّت الَّذِي لم تُرَد روحُه إِلَى بدنه؛  كَحال النَّائِم الـمُتوسّطة بَين الْحَيّ وَالْمَيِّت. فَتَأمل هَذَا يزيح عَنْك إشكالات كَثِيرَة.

 

انتهى باختصار من «الروح» لابن القيم، الْمَسْأَلَة السَّادِسَة وَهِي أَن الرّوح هَل تُعَاد إِلَى الْمَيِّت فِي قَبره وَقت السُّؤَال أم لَا؟

 

والمسألة طويلة، وللمزيد من التفاصيل برجاء مراجعة المرجع المذكور.

 

-إلى أعلى الصفحة-

-------------------------------------------------------------------------------

 

(1)  انظر بتصرف شديد جدا: أصل مادة أحاديث هذه المقالة في كتاب صحيح الترغيب والترهيب، كتاب "الجنائز وما يتقدمها"، باب : "الترهيب من المرور بقبور الظالمين وديارهم ومصارعهم مع الغفلة عما أصابهم وبعض ما جاء في عذاب القبر ونعيمه وسؤال منكر ونكير عليهما السلام.

تنبيه مهم:  هذه المقالة كتبها  محُرِّرُ الموقع  اجتهادًا منه ونصحًا لإ خوانه  وبحسب ما أدى إليه فهمه واجتهاده،  لذا فإن أي خطأ يتحمله المحرر وحْدَه، وفضيلة الشيخ  الدكتور محمد الدبيسي عافاه الله تعالى  ليست له علاقة به،  والله الموفق.  اللهم ارزقنا العمل بما علمتنا واجعله حجة لنا لا علينا.

 

-------------------------------------------------------------------------------

 

-إلى أعلى الصفحة-

 

روابط ذات صلة :

1-  مجموعة مقالات عن: حياة البرزخ، أو: عذاب القبر ونعيمه

 2-  مجموعة مقالات: أحاديث وآياتٌ في البعث وأهوال يوم القيامة

 

 

*******

 

 

 آخر تحديث للصفحة: 21 جمادى الآخرة 1435 _21-4-2014

 

 

 

 

الحقوق الفكرية محفوظة لـ : فضيلة الشيخ محمد الدبيسي حفظه الله